أُخْرَى) وفي الرواية التالية: "قال: كانت لي شارف من نصيبي من المغنم يوم
بدر، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطاني شارفاً من الخُمس يومئذ".
قال ابن بطال - رحمه الله -: ظاهره أن الخُمس شُرع يوم بدر، ولم يَخْتَلِف أهلُ
السِّيَر أن الخُمس لم يكن يوم بدر، وقد ذكر إسماعيل القاضي في غزوة بني
قريظة، قال: قيل: إنه أول يوم فُرض فيه الخمس، قال: وقيل: نزل بعد ذلك،
قال: ولم يأت ما فيه بيانٌ شافٍ، وإنما جاء صريحاً في غنائم حُنين، قال ابن
بطال: وإذا كان كذلك فيحتاج قول عليّ - رضي الله عنه - إلى تأويل، قال: ويمكن أن
يكون ما ذكر ابن إسحاق في سرية عبد الله بن جَحْش التي كانت في رجب قبل
بدر بشهرين، وأن ابن إسحاق قال: ذَكَر لي بعضُ آل جحش أن عبد الله قال
لأصحابه: إن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما غَنِمنا الخمس، وذلك قبل أن يفرض الله
الخمس، فعزل له الخمس، وقسم سائر الغنيمة بين أصحابه، قال: فوقع
رضا الله بذلك، قال: فيُحْمَل قول عليّ: "وكان قد أعطاني شارفاً من
الخمس"؛ أي: من الذي حَصَل من سرية عبد الله بن جحش.
قال الحافظ: ويعكُر عليه أن في رواية البخاريّ في "المغازي": "وكان
النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أعطاني مما أفاء الله عليه من الخمس يومئذ"، والعجب أن ابن بطال
عزا هذه الرواية لأبي داود، وجعلها شاهدة لِمَا تأوّله، وغَفَل عن كونها في
البخاريّ الذي شَرَحه، وعن كون ظاهرها شاهداً عليه، لا له، قال: ولم أقف
على ما نقله عن أهل السِّيَر صريحاً في أنه لم يكن في غنائم بدر خمسٌ،
والعجب أنه يُثبت في غنيمة السرية التي قبل بدر الخمس، ويقول: إن الله رضي
بذلك، وينفيه في يوم بدر، مع أن الأنفال التي فيها التصريح بفرض الخمس
نزل غالبها في قصّة بدر.
وقد جزم الداوديّ الشارح بأن آية الخمس نزلت يوم بدر، وقال السبكيّ:
نزلت الأنفال في بدر، وغنائمها.
والذي يظهر أن آية قسمة الغنيمة نزلت بعد تفرقة الغنائم؛ لأن أهل السِّير
نقلوا أنه - صلى الله عليه وسلم - قَسَمها على السواء، وأعطاها لمن شهد الوقعة، أو غاب لعذر
تكرُّماً منه؛ لأن الغنيمة كانت أوّلاً بنص أول "سورة الأنفال" للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، قال:
ولكن يعكُر على ما قال أهل السِّيَر حديث عليّ - يعني: حديث الباب - حيث