والباقون ذُكروا في الباب، والبابين قبله.
وقوله: (لَمْ يَعُمَّ بِهِ النَّاسَ كَافَّةً) قال النوويّ - رحمه الله -: هكذا تستعمل "كافّةً"
حالاً، وأما ما يقع في كثير من كتب المصنفين، من استعمالها مضافة،
وبالتعريف، كقولهم: هذا قول كافة العلماء، ومذهب الكافة، فهو خطأ،
معدود في لحن العوامّ، وتحريفهم. انتهى (?).
وقال الفيّوميّ - رحمه الله -: وجاء الناس كَافَّةً، قيل: منصوب على الحال، نصباً
لازماً، لا يُستعمل إلا كذلك، وعليه قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} الآية [سبأ: 28]؛ أي: إلا للناس جميعاً، وقال الفراء في "كتاب معاني
القرآن": نُصِبت لأنها في مذهب المصدر، ولذلك لم تُدْخِل العرب فيها الألف
واللام؛ لأنها آخرٌ لكلامٍ مع معنى المصدر، وهي في مذهب قولك: قاموا
معاً، وقاموا جميعاً، فلا يُدخلون الألف واللام على معاً، وجميعاً إذا كانت
بمعناها أيضاً، وقال الأزهريّ أيضاً: كَافّةً منصوب على الحال، وهو مصدر
على فَاعِلَةٍ، كالعافية، والعاقبة، ولا يُجْمَع، كما لو قلت: قاتلوا المشركين
عامّةً، أو خاصّة، لا يُثَنَّى ذلك، ولا يجمع. انتهى (?).
وقوله: (إِلَّا مَا كَانَ فِي قِرَابِ سَيْفِي هَذَا) "القِرَاب" - بكسر القاف،
وتخفيف الراء: جَمْعه: قُرُبٌ، وأَقْربةٌ، مثالُ حِمار، وحُمُر، وأَحْمِرة، قال
النوويّ: هو وِعَاءٌ من جِلْد، ألطف من الْجِرَاب، يُدْخَل فيه السيفُ بغمده، وما
خَفَّ من الآلة. انتهى (?).
وقوله: (وَلَعَنَ اللهُ مَنْ سَرَقَ مَنَارَ الأَرْضِ) هو بمعنى قوله في الرواية
السابقة: "من غيّر منار الأرض"، فالسرقة كناية عن التغيير.
والحديث من أفراد المصنّف، وقد مضى تمام شرحه، وبيانه مسائله، ولله
الحمد، والمنّة.
{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)} [هود: 88].