برك أسود، والمعنى أنه أسود القوائم، والمرابض، والمحاجر. انتهى (?).
وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "أمر بكبش أقرن، يطأ في سواد، وينظر في
سواد، ويبرك في سواد"؛ أي: أمر بأن يُنتخب له كبش على هذه الشِّيَة، ففيه ما
يدلّ على أن المضحي ينبغي له أن يختار الأفضل نوعًا، وأكمل خَلْقًا،
والأحسن شِيَة، فالأقرن: الطويل القرن، وهو أفضل، ولا خلاف في جواز
الأجم، واختُلِف في المكسورة القرن، فالجمهور على الجواز، وقد روى أبو
داود عن عليّ -رضي الله عنه-: أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى أن يُضحَّى بعضباء الأذن والقرن، وكرهه
مالك إن كان يَدْمَى؛ لأنَّه مرض، وأجازه إن لم يَدْم، ومعنى: "يطأ في سواد"؛
أي: أسود القوائم، "ويبرك في سواد"؛ أي: في بطنه سواد، "وينظر في
سواد"؛ أي: ما حول عينيه أسود. انتهى (?).
(فَاُتِيَ بِهِ) بالبناء للمفعول؛ أي: أُتي بذلك الكبش الموصوف بما ذُكر،
(لِيُضَحِّيَ بِهِ)؛ أي: ليذبحه أضحيةً، (فَقَالَ) -صلى الله عليه وسلم- (لَهَا)؛ أي: لعائشة -رضي الله عنها- ("يَا
عَائِشَةُ هَلُمِّي)؛ أي: أحضري، وهي بفتح الهاء، وضمّ اللام، فعلُ أَمْر اختُلف
فيها، قال الفيّوميّ رحمه الله: هَلُمَّ كلمة بمعنى الدعاء إلى الشيء، كما يقال:
تَعَالَ، قال الخليل: أصله لُمَّ، من الضمّ، والجمع، ومنه: لمّ الله شعثَهُ، وكأن
المنادي أراد لُمَّ نفسَك إلينا، و"هَا" للتّنبيه، وحُذفت الألف؛ تخفيفًا؛ لكثرة
الاستعمال، وجُعِلا اسمًا واحدًا، وقيل: أصلها: هَلْ أُمَّ؛ أي: قُصِد، فنقلت
حركة الهمزة إلى اللام، وسقطت، ثم جُعِلا كلمةً واحدةً للدعاء، وأهل الحجاز
يُنادُون بها بلفظ واحد للمذكَّر، والمؤنث، والمفرد، والجمع، وعليه قوله
تعالى: {وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} [الأحزاب: 18]، وفي لغة نجد تَلْحقها
الضمائرُ، وتُطَابَقُ، فيقال: هَلُمِّي، وهَلُمَّا، وهَلُمُّوا، وهَلْمُمْنَ؛ لأنهم يجعلونها
فعلًا، فيُلحقونها الضمائرَ، كما يُلحقونها قُمْ، وقُوما، وقُوموا، وقُمن، وقال
أبو زيد: استعمالها بلفظ واحد للجميع من لغة عُقيل، وعليه قَيْس بَعْدُ، وإلحاق
الضمائر من لغة بني تميم، وعليه أكثر العرب، وتُستعمل لازمةً، نحو: {هَلُمَّ
إِلَيْنَا} [الأحزاب: 18]؛ أي: أَقْبِلْ، ومتعديةً، نحو: {هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ}