قلت (?): وظاهر قول أبي داود في العتيرة: إنها منسوخة: أنها لم تبق لها مشروعية على جهة الوجوب، ولا الجواز. قال القاضي أبو الفضل: وعامة أهل العلم على تركها للنهي عنها، إلا ابن سيرين فإنَّه كان يذبح العتيرة في رجب، ولم يره منسوخًا؛ يعني: الجواز. وأما الوجوب فمتفق على تركه على ما حكاه المازريّ.
فإن قيل: لا نسلِّم أنَّ نسخ وجوب العتيرة يلزم منه نفي وجوب الأضحية؛ لأنَّ الحديث تضمّن أمرين:
أحدهما: الأضحية - ولم يقل أحدٌ: إنها منسوخة -، والعتيرة وهي المنسوخة، ولا يلزم من نسخِها نسخُها.
فالجواب: إنهما وإن كانا أمرين متغايرين، لكنهما قد اجتمعا في مفيد الوجوب، وهو: على الذي استدللتم بها على الوجوب؛ لأنَّه لمّا عَطَف العتيرة على الأضحية بالواو من غير إعادة "على"، عَلِمْنا أن العتيرة دخلت مع الأضحية في معنى "على". وهو معنى واحدٌ، فإذا رُفع ذلك المعنى عن العتيرة ارتفع عن الأضحية؛ لضرورة الاتحاد. وهذا حكمُ حروف العطف المشَرِّكة في المعنى إذا عُطف بها المفردات. فإنك إذا قلت: قام زيد وعمرو؛ استحال أن يُرفع القيام عن عمرو، ويبقى لزيد، فلو أعاد العامل لصحَّ أن يُرفع حكم أحدهما ويثبت حكم الآخر؛ لأنَّه يكون من باب عَطْف الجُمل، ويجوز عطف الجُمل المختلفة بعضها على بعض. وقد أشبعنا القول في هذا في الأصول. وهو أصل حسن يجب الاعتناء به.
وأما الاستدلال بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "اذبح مكانها أخرى" فقد عضدوه بما جاء في بعض طرق هذا الحديث، من قوله: "أعد نسكًا"، وقوله: "ضحِّ بها - يعني: الجذعة من المعز - ولا تجزي عن أحد بعدك"، ولا حجَّة في شيء من ذلك واضحة؛ لأنَّ المقصود بيان كيفية مشروعية الأضحية لمن أراد أن يفعلها، أو من التزمها فأوقعها على غير الوجه المشروع غلطًا، أو جهلًا، فبيّن له النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وَجْه تداركِ ما فرّط فيه. وهذا هو المعنيّ بقوله: "لا تجزي" أي: لا يحصل