قال القرطبيّ: ولا حجَّة في شيء من ذلك. أما الآية فلأنها محتملة لأمور متعددة، ولذلك اختَلَفت أقوال العلماء فيها، فقيل: معناهما: صلِّ الصلوات المعهودة، وَضَعْ يمينك على شمالك، وَضَعْهما على نحرك، قاله عليّ - رضي الله عنه -، وقال أبو الأحوص: ارفع يديك في التكبير إلى نحرك. وقيل: استقبل القبلة بنحرك في الصلاة. وقال مجاهد: صلِّ بالمزدلفة، وانحر الْهَدْي. وقال عطاء: صلِّ العيد، وانحر الأضحية. ونحوه قال مالك. وقال ابن جبير: ادع لربك، وارفع يديك إلى نحرك عند الدعاء. وقال عطاء: استو بين السجدتين حتى يبدو نحرك.
قال القرطبيّ: وهذه الأقوال كلها؛ الآية قابلة لها؛ على أن الأظهر منها قول من قال: إن المراد بها: صلِّ الصلوات المعهودة، وانحر الهدايا الواجبة؛ تمسُّكًا بالعُرْف المستعمل في ذينك اللفظين، والله أعلم، وعند هذا ظهر أن لا حجَّة في الآية.
وأما قوله: "على كل أهل بيت أضحية، وعَتِيرة": فليس بصحيح. قيل: هو حديث ضعيف على ما قاله أبو محمد عبد الحق وغيره، ولو سُلِّمت صحته فلا حجة فيه لوجهين:
أحدهما: أنه ليس صريحًا في الوجوب، بل قد يقال مثله في المندوب، كما قال في السواك: "وعليكم بالسواك"، وليس السواك واجبًا في الجمعة بالاتفاق، وإنما يُحمل ذلك على أن من أراد تحصيل الأجر الكثير، وإقامة السُّنَّة، فعليه بالسواك والأضحية. وهذا نحو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من أراد أن يضحي فلا يأخذنَّ من شعره ولا بَشَره شيئًا".
والثاني: عطفُ العتيرة على الأضحية، والعتيرة ليست بواجبةً باتفاق على ما ذكره المازريّ. وقال أبو داود: العتيرة منسوخة. وهذا من قول أبي داود يدلّ على أن العتيرة كانت مشروعة في أول الإسلام، ثم نُسخت، وكذلك قال ابن دريد، قال: العتيرة شاة كانت تُذبح في رجب في الجاهلية يُتقرَّب بها، وكان ذلك في صدر الإسلام أيضًا. والعَتْر: الذبح. قال غيره: وهي فعيلة بمعنى مفعولة، كذبيحة: بمعنى مذبوحة. يقال: عتر الرجل يعتر عترًا، بالفتح: إذا ذبح العتيرة. ويقال: هذه أيام تَرجيب، وتَعتار.