ووقع في كلام الآمديّ، وابن الحاجب، وقد وَرَدَ ما يعارضه، فروى الدارقطنيّ، وابن شاهين، في "ناسخه" من طريق عبد الله بن مُحَرَّر، عن قتادة، عن أنس، مرفوعا: "أُمرت بالوتر، والاضحى، ولم يُعزم عليّ"، ولفظ ابن شاهين: "ولم يُفرض عليّ"، وعبد الله بن مُحَرَّر متروك. انتهى كلام الحافظ في "التلخيص" (?).
وقال القرطبيّ - رحمه الله -: ذهب الجمهور من السلف والخلف على أن الأضحيّة سُنَّة مؤكدة، وهو مشهور مذهب مالك، متمسِّكين في ذلك بمداومة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه على فعلها، وأنه لم يَرِد نصٌّ في وجوبها، بل ولا ظاهر صحيح، سليم من القوادح. وقد رَوَى الترمذيّ عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه قال: أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة عشر سنين يضحي. وسُئل ابن عمر عن الأضحية: أواجبة هي؟ فقال: ضحَّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وضحّى المسلمون. قال الترمذيّ: إنهما حديثان حسنان. قال: والعمل على هذا عند أهل العلم: أن الأضحية ليست بواجبة، ولكنها سُنَّة من سنن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وما روي عن بعض السلف مِنْ تركه الأضحية مع تمكّنه، فذلك محمول على أنهم إنما تركوها مخافة أن يُعتقد أنها واجبة. وقال ابن عبد الحكم: سألت مالكًا عن الأضحية: أواجبة هي؟ فقال: إنها سُنَّة. ثم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أُمرت بالأضحى، وهي لكم سُنَّة".
قال القرطبيّ: فأفتى، واستَدَلَّ؛ وهذا يدلّ على صحة هذا الحديث عند مالك؛ إذ قد استدلَّ به، ولا يجوز الاستدلال بما لا يصح.
وقد ذهب إلى وجوب الأضحية طائفة، منهم: الأوزاعيّ، والليث، وأبو حنيفة؛ غير أنه اشترط في الوجوب أن يملك المضحِّي نصابًا. وقد روي القول بالوجوب عن مالك، وبعض أصحابه. وقد تَمَسَّك للقائلون بالوجوب بقول الله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)}، وبما رواه أبو داود وغيره من حديث مِخْنَف بن سُليم، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا أيها الناس! إن على كلِّ أهل بيت في كلِّ عام أضحية، وعتيرة، أتدرون ما العتيرة؟ هذه التي يقول الناس: الرَّجبيَّة"، وبظاهر الأمر بالإعادة في الحديث المتقدِّم.