وقال أبو العبّاس القرطبيّ - رحمه الله -: ألحق الجمهور بالكلب كلّ حيوان معلّم، يتأتّى به الاصطياد، تمسّكًا بالمعنى، وبما رواه الترمذيّ عن عديّ بن حاتم - رضي الله عنه - أنه قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صيد البازي؟ فقال: "إذا أمسك عليك، فكل"، على أن في إسناده مجالدًا، ولا يُعرف إلا من حديثه، وهو ضعيف، والمعتمد النظر إلى المعنى، وذلك أن كلّ ما يتأتّى من الكلب يتأتّى من الفهد مثلًا، فلا فارق إلا فيما لا مدخل له في التأثير، وهذا هو القياس في معنى الأصل، كقياس السيف على المِدية التي ذبح النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بها، وقياس الأَمَة على العبد في سراية العتق.
وقد خالف في ذلك قومٌ، وقصروا الإباحة على الكلاب خاصّةً، ومنهم من يستثني الكلب الأسود، وهو الحسن، والنخعيّ، وقتادة؛ لأنه شيطانٌ، كما قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، متمسّكين بقوله تعالى: {مُكَلِّبِينَ}، وبأنه ما وقع في "الصحيحين" إلا ذِكر الكلاب، وهذا لا حجّة لهم فيه؛ لأن ذكر الكلاب في هذه المواضع إنما كان لأنها الأغلب والأكثر، وأيضًا فإن ذِكْرها خصوصًا لا يدلّ على أن غيرها لا يُصاد بها؛ لأن الكلب لقبٌ، ولا مفهوم للّقب عند جماهير المحقّقين من الأصوليين، ولم يصر إليه إلا الدّقّاق، وليس هو فيه على توفيق، ولا وفاق، ولو صحّ زعمه ذلك لكَفَر من قال: عيسى رسول الله، فإنه كان يلزم منه بحسب زعمه، أن محمدًا وغيره من الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - ليس رسولًا. انتهى كلام القرطبيّ - رحمه الله -.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي ما ذهب إليه الجمهور من جواز الاصطياد بكل حيوان يقبل التعليم هو الأرجح؛ لظهور مُدْركه، والله تعالى أعلم بالصواب.
(المسألة السابعة): في اختلاف أهل العلم في اشتراط التسمية على الكلاب، والذبيحة:
قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في "تفسيره" - (2/ 170) عند تفسير قوله: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} الآية [الأنعام: 121]- ما حاصله:
قد اختلف الأئمة رحمهم الله في هذه المسألة على ثلاثة أقوال: فمنهم من قال: لا تحل هذه الذبيحة بهذه الصفة، وسواء متروك التسمية عمدًا، أو