تعلّم، فلا يتميّز ذلك إلا بالتكرار، وما اعتُبر فيه التكرار اعتُبر ثلاثًا، كالمسح في الاستجمار، وعدد الأقراء، والغسلات في الوضوء، ونحوها، ويفارق الصنائع، فإنها لا يتمكّن من فعلها إلا من تعلّمها، فإذا فعلها عُلم أنه قد تعلّمها، وعرفها، وتركُ الأكلِ ممكن الوجود من المتعلّم وغيره، ويوجد من الصنفين جميعًا، فلا يتميّز به أحدهما من الآخر حتى يتكرّر. انتهى كلام ابن قُدامة - رحمه الله - بتصرّف (?).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: القول الأول عندي أقرب؛ لوضوح حجته، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم في إلحاق غير الكلب به في جواز الصيد به:
قال ابن قُدامة - رحمه الله - أيضًا: وكلّ ما يقبل التعليم، ويُمكن الاصطياد به من سباع البهائم، كالفهد، أو جوارح الطير، فحُكمه حكم الكلب في إباحة صيده. قال ابن عبّاس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} الآية: هي الكلاب المعلّمة، وكلّ طير تعلّم الصيد، والفُهود، والصقور، وأشباهها. وبمعنى هذا قال طاوس، ويحيى بن أبي كثير، والحسن، ومالكٌ، والثوريّ، وأبو حنيفة، ومحمد بن الحسن، والشافعيّ، وأبو ثور. وحُكِي عن ابن عُمر، ومجاهد أنه لا يجوز الصيد إلا بالكلب؛ لقول الله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4]؛ يعني: كَلَّبتم من الكلاب.
واحتجّ الأولون بما رُوي عن عديّ بن حاتم - رضي الله عنه -، قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صيد البازي؟ فقال: "إذا أمسك عليك، فكل" (?)، ولأنه جارحٌ يُصاد به عادةً، ويَقبل التعليمَ، فأشبه الكلب، فأما الآية فإن الجوارح الكواسب، {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} [الأنعام: 60]؛ أي: كسبتم، وفلان جارحة أهله؛ أي: كاسبهم، {مُكَلِّبِينَ} من التكليب، وهو الإغراء. انتهى كلام ابن قدامة - رحمه الله -.