وقوع المبتدأ مُعَرَّفًا باللام الجنسية؛ لأنَّ المبتدأ بالحقيقة ها هنا هو الأمر الواقع صفة لِـ "هذا"، وهذا لا يوصف إلَّا بالجنس، فمقتضاه حصر جنس الأمر في قريش، فيصير كأنه قال: لا أمْر إلَّا في قريش، وهو كقوله: "الشفعة فيما لَمْ يُقْسَم"، والحديث وإن كان بلفظ الخبر، فهو بمعنى الأمر، كأنه قال: ائتموا بقريش خاصّة وبقية طرق الحديث تؤيد ذلك، ويؤخذ منه أن الصحابة - رضي الله عنهم - اتفقوا على إفادة المفهوم للحصر، خلافًا لمن أنكر ذلك، وإلى هذا ذهب جمهور أهل العلم، أن شرط الإمام أن يكون قرشيًّا، وقيّد ذلك طوائف ببعض قريش، فقالت طائفة: لا يجوز إلَّا من وَلَد عليّ، وهذا قول الشيعة، ثم اختلفوا اختلافًا شديدًا في تعيين بعض ذرية عليّ، وقالت طائفة: يختص بولد العباس، وهو قول أبي مسلم الخرسانيّ، وأتباعه، ونقل ابن حزم أن طائفة قالت: لا يجوز إلَّا في وَلَد جعفر بن أبي طالب، وقالت أخرى: في ولد عبد المطلب، وعن بعضهم: لا يجوز إلَّا في بني أمية، وعن بعضهم: لا يجوز إلَّا في ولد عمر، قال ابن حزم: ولا حجة لأحد من هؤلاء الْفِرَق، وقالت الخوارج، وطائفة من المعتزلة - رَحِمَهُ اللهُ -: يجوز أن يكون الإمام غير قرشيّ، وإنما يستحق الإمامة من قام بالكتاب والسُّنَّة، سواء كان عربيًّا أم عجميًّا، وبالغ ضرار بن عمرو، فقال: تولية غير القرشيّ أَوْلى؛ لأنه يكون أقلّ عشيرةً، فإذا عَصَى كان أمكن لخلعه، وقال أبو بكر بن الطيب: لَمْ يعرِّج المسلمون على هذا القول بعد ثبوت حديث: "الأئمة من قريش"، وعمل المسلمون به قرنًا بعد قرن، وانعقد الإجماع على اعتبار ذلك قبل أن يقع الاختلاف.
قال الحافظ: قد عَمِل بقول ضرار من قَبْل أن يوجد من قام بالخلافة من الخوارج علي بني أمية، كقَطَريّ - بفتح القاف، والطاء المهملة - ودامت فتنتهم حتى أبادهم المهلَّب بن أبي صُفْرة أكثر من عشرين سنة، وكذا تسمى بأمير المؤمنين من غير الخوارج ممن قام على الحجاج، كابن الأشعث، ثم تسمى بالخلافة من قام في قُطْر من الأقطار في وقتٍ مَا، فتسمى بالخلافة، وليس من قريش، كبني عباد، وغيرهم بالأندلس، كعبد المؤمن، وذريته ببلاد المغرب كلها، وهؤلاء ضاهوا الخوارج في هذا، ولم يقولوا بأقوالهم، ولا تمذهبوا بآرائهم، بل كانوا من أهل السُّنَّة، داعين إليها.