وقال عياض: اشتراط كون الإمام قرشيًّا مذهب العلماء كافّة، وقد عدّوها في مسائل الإجماع، ولم يْنقل عن أحد من السلف فيها خلاف، وكذلك مَنْ بعدهم في جميع الأمصار، قال: ولا اعتداد بقول الخوارج، ومَن وافقهم مِن المعتزلة؛ لِمَا فيه من مخالفة المسلمين.

قال الحافظ: وَيحتاج من نقل الإجماع إلى تأويل ما جاء عن عمر - رضي الله عنه - من ذلك، فقد أخرج أحمد عن عمر بسند رجاله ثقات، أنه قال: إن أدركني أجلي، وأبو عبيدة حيّ استخلفته، فذكر الحديث، وفيه: "فإن أدركني أجلي، وقد مات أبو عبيدة، استخلفت معاذ بن جبل"، الحديث، ومعاذ بن جبل أنصاريّ، لا نَسَب له في قريش، فَيَحْتَمِل أن يقال: لعل الإجماع انعقد بعد عمر على اشتراط أن يكون الخليفة قرشيًّا، أو تغير اجتهاد عمر في ذلك، والله أعلم.

وأما ما احتج به من لَمْ يعيِّن الخلافة في قريش، من تأمير عبد الله بن رواحة، وزيد بن حارثة، وأسامة، وغيرهم في الحروب، فليس من الإمامة العظمى في شيء، بل فيه أنه يجوز للخليفة استنابة غير القرشيّ في حياته، والله أعلم.

واستُدِلَّ بحديث ابن عمر - رضي الله عنهما - على عدم وقوع ما فرضه الفقهاء من الشافعية وغيرهم، أنه إذا لَمْ يوجد قرشيّ يُستخلف كنانيّ، فإن لَمْ يوجد، فمِن بني إسماعيل، فإن لَمْ يوجد منهم أحد مستجمِع الشرائط، فعجميّ، وفي وجه: جُرْهُمي وإلا فمِن ولد إسحاق، قالوا: وإنما فرض الفقهاء ذلك على عادتهم في ذِكر ما يُمكن أن يقع عقلًا، وإن كان لا يقع عادة، أو شرعًا.

قال الحافظ: والذي حَمَل قائلُ هذا القول عليه أنه فَهِمَ منه الخبر المحض، وخبر الصادق لا يتخلف، وأما مَن حمَله على الأمر، فلا يحتاج إلى هذا التأويل. انتهى (?).

قال الجامع عفا الله عنه: تقدّم أن الأرجح حَمْله على الأمر؛ لوضوح أدلّته، فتنبّه، والله تعالى أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015