التقدير: لا يزال هذا الأمر؛ أي: لا يُسَمَّى بالخليفة إلا من يكون من قريش، إلا أن يسمى به أحد من غيرهم غلبةً وقهرًا، وإما أن يكون المراد بلفظه: الأمرَ، وإن كان لفظه لفظَ الخبر.
ويَحْتَمِل أن يكون بقاء الأمر في قريش في بعض الأقطار دون بعض، فإن بالبلاد اليمنية، وهي النجود منها طائفة من ذرية الحسن بن عليّ لم تزل مَمْلَكة تلك البلاد معهم من أواخر المائة الثالثة، وأما مَن بالحجاز مِن ذرية الحسن بن عليّ، وهم أمراء مكة، وأمراء ينبع، ومن ذرية الحسين بن عليّ، وهم أمراء المدينة، فإنهم وإن كانوا من صميم قريش، لكنهم تحت حكم غيرهم من ملوك الديار المصرية، فبقي الأمر في قريش بقُطر من الأقطار في الجملة، وكبير أولئك؛ أي: أهل اليمن يقال له: الإمام، ولا يتولى الإمامة فيهم إلا من يكون عالِمًا متحريًا للعدل.
وقال الكرمانيّ: لم يخلُ الزمان عن وجود خليفة من قريش؛ إذ في المغرب خليفة منهم على ما قيل، وكذا في مصر.
قال الحافظ: الذي في مصر لا شكّ في كونه قرشيًّا؛ لأنه من ذرية العباس، والذي في صَعدة وغيرها من اليمن لا شكّ في كونه قرشيًّا؛ لأنه من ذرية الحسين بن عليّ، وأما الذي في المغرب فهو حفصيّ، من ذرية أبي حفص صاحب بن تومرت، وقد انتسبوا إلى عمر بن الخطاب، وهو قرشيّ.
قال: ولحديث ابن عمر شاهد من حديث ابن عباس، أخرجه البزار، بلفظ: "لا يزال هذا الدين واصبًا، ما بقي من قريش عشرون رجلًا".
وقال النوويّ: حُكم حديث ابن عمر مستمرّ إلى يوم القيامة، ما بقي من الناس اثنان، وقد ظهر ما قاله - صلى الله عليه وسلم -، فمن زمنه إلى الآن لم تزل الخلافة في قريش، من غير مزاحمة لهم على ذلك، ومن تغلب على المُلك بطريق الشركة لا يُنكر أن الخلافة في قريش، وإنما يدّعي أن ذلك بطريق النيابة عنهم. انتهى.
وقد أُورد عليه أن الخوارج في زمن بني أمية تسمَّوا بالخلافة واحدًا بعد واحد، ولم يكونوا من قريش، وكذلك ادَّعَى الخلافة بنو عبيد، وخُطب لهم بمصر، والشام، والحجاز، ولبعضهم بالعراق أيضًا، وأزيل الخلافة ببغداد قَدْر