قوله: "أكْوَعه بُكرةَ" هكذا في عامّة النسخ التي بأيدينا "أَكْوَعُهُ" بالإضافة إلى ضمير الغَيْبة، ومعناه: هذا الأكوع الذي كان يرتجز لنا به صباح هذا النهار قد عاد يرتجز لنا به آخره، وقد علمتَ أنه كان أول ما لحقهم صاح بهم بهذا الرجز، ووقع في رواية "البهجة": "أَكْوَعُنَا بكرةَ" بالإضافة إلى ضمير المتكلّمين؛ أي: أنت الأَكْوَعُ الذي كنت تتبعنا بكرةَ اليوم؟ قال: نعم أنا أَكْوَعك بكرة، ولعلّ هذه الرواية أقرب إلى الصواب؛ لاتّصال آخر الكلام فيها بأوله، وموافقة صَدْره لِعَجُزه. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "ولعلّ هذه الرواية أقرب إلى الصواب" لا داعي إلى هذا الكلام، فإن رواية مسلم صواب، لا ركاكة فيها، فمعناها: أأنت أكوع هذا اليوم، أو هذا الأمر الذي كنت معنا بهذا الرجز أول اليوم؟ ، فتأمله بالإمعان، والله تعالى وليّ التوفيق.
وقال القرطبيّ رحمهُ اللهُ: قوله: "أكوعه بكرة" الضمير في "أكوعه" يعود على المتكلم، على تقدير الغَيبة، كأنه قال: أكوع الرجل المتكلم، وقد فَهِمَ منه هذا سلمة، حيث أجابه بقوله: "أكوعك بكرةَ"، فخاطبه بذلك، و"بكرةَ" منصوب، غير منوَّن على الظرف؛ لأنه لا ينصرف؛ للتعريف والتأنيث؛ لأنه أُريدَ بها بُكرة معيَّنة، وكذلك: غُدْوَةُ، وليس ذلك لشيء من ظروف الأزمنة سواهما فيما علمتُ. انتهى (?).
(قَالَ) سلمة (قُلْتُ: نَعَمْ يَا عَدُوَّ نَفْسِهِ)؛ أي: متخذ نفسه عدوًّا حيث يريد أن يدخلها في نار جهنّم بِشِرْكه، (أَكْوَعُكَ بُكْرَةَ)؛ أي: أنا الأكوع الذي كنت معك منذ أول النهار. (قَالَ) سلمة (وَأَرْدَوْا فَرَسَيْنِ عَلَى ثَنِيَّةٍ) قال ابن الأثير رحمهُ اللهُ: أرديته: رميته، وتركته، والمراد: أنهم من خوفهم تركوا من خيلهم فرسين، ولم يقفوا عليهما هربًا، وخوفًا أن يلحقهم. انتهى.
وقال القاضي عياض رحمهُ اللهُ: كذا رواية الكافّة بالدال المهملة، ورواه بعضهم بالمعجمة، قال: وكلاهما متقارب المعنى، فبالمعجمة معناه: خَلَّفُوهما، والرَّذِيّ: الضعيف من كل شيء، وبالمهملة معناه: أهلكوهما،