كلامي، (قَالَ) سلمة (قُلْتُ: هَلْ تَعْرِفُونِي؟ ) هكذا في بعض النسخ: "تعرفوني" بنون واحدة على حذف نون الوقاية، أو نون الرفع، وحَذْف إحداهما في مثل هذا الفعل جائز، ويَحْتَمِل أن يكون بتشديد النون، بإدغام نون الرفع في نون الوقاية، وهو أيضًا جائز، كما في قوله تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ} الآية [الزمر: 64] في قراءة من شدّد، ووقع في النسخ: "تعرفونني" بنونين على الأصل، وهو ظاهر، وإلى قاعدة نون الوقاية أشار ابن مالك رحمهُ اللهُ في "الخلاصة" بقوله:

وَقَبْلَ يَا النَّفْسِ مَعَ الْفِعْلِ الْتُزِمْ ... نُونُ وِقَايَةٍ وَ"لَيْسِي" قَدْ نُظِمْ

وَ"لَيْتَنِي" فَشَا وَ"لَيْتِي" نَدَرَا ... وَمَعْ "لَعَلَّ" اعْكِسْ وَكُنْ مُخَيَّرَا

فِي الْبَاقِيَاتِ وَاضْطِرَارًا خَفَّفَا ... "مِنِّي" وَ"عَنِّي" بَعْضُ مَنْ قَدْ سَلَفَا

وَفِي "لَدُنِّي" "لَدُنِي" قَلَّ وَفِي ... "قَدْنِي" وَ"قَطْنِي" الْحَذْفُ أَيْضًا قَدْ يَفِي

(قالوا: لَا) نعرفك (وَمَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: أَنَا سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ) فيه جواز تعريف الإنسان بنفسه إذا كان معروفًا بالشجاعة؛ ليُدخل الرعب في قلب خصمه. (وَالَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - لَا أَطْلُبُ رَجُلًا مِنْكُمْ إِلَّا أَدْرَكْتُهُ، وَلَا يَطْلُبُنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ، فَيُدْرِكَنِي) بالنصب بـ "أن" مضمرةً وجوبًا بعد الفاء السببيّة في جواب النفي، كما قال في "الخلاصة":

وَبَعْدَ فَا جَوَاب نَفْيٍ أَوْ طَلَبْ ... مَحْضَيْنِ "أَنْ" وَسَتْرُهُ حَتْمٌ نَصَبْ

(قَالَ أَحَدُهُمْ. أنَا أَظُنُّ) بحذف مفعوليه؛ لدلالة القرينة عليهما؛ أي: أظنّ ذلك واقعًا، وإلى جواز هذا الحذف أشار في "الخلاصة" بقوله:

وَلَا تُجِزْ هُنَا بَلَا دَلِيلِ ... سُقُوطَ مَفْعُولَيْنِ أَوْ مَفْعُولِ

إذ مفهومه أنه إن دلّ الدليل على المحذوف جاز حَذْفهما معًا، أو حَذْف أحدهما، ومِن حَذْفهما معًا لدلالة ما قبلهما عليهما قول الشاعر [من الطويل]:

بِأَيِّ كِتَابٍ أَمْ بِأَيَّةِ سُنَّةٍ ... تَرَى حُبَّهُمْ عَارًا عَلَيَّ وَتَحْسَبُ

أي وتحسَب حبَّهم عارًا عليّ، ومِنْ حَذْف أحدهما للدلالة قوله [من الكامل]:

وَلَقَدْ نَزَلْتِ فَلَا تَظُنِّي غَيْرَهُ ... مِنِّي بِمَنْزِلَةِ الْمُحَبِّ الْمُكْرَمِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015