يَصِل إليهم منهم سُوءٌ، وكَفّ أيدي المؤمنين عن المشركين، فلم يقاتلوهم عند المسجد الحرام، بل صان كُلًّا من الفريقين، وأوجد بينهم صلحًا فيه خير للمؤمنين، وعاقبةٌ لهم في الدنيا والآخرة، وقد تقدم في حديث سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - حين جاؤوا بأولئك السبعين الأسارى، فأوثقوهم بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فنظر إليهم، فقال: "أَرْسِلُوهم، يكن لهم بدء الفجور وثِناهُ"، قال: وفي ذلك أنزل الله عزَّ وجلَّ: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ} الآية.

وأخرج الإمام أحمد: عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: لمّا كان يومُ الحديبية هَبَط على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ثمانون رجلًا، من أهل مكة بالسلاح، من قِبَل جبل التنعيم، يريدون غِرّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فدعا عليهم، فأُخذوا، قال عفان: فعفا عنهم، ونزلت هذه الآية: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ}.

وأخرج أحمد أيضًا عن عبد الله بن مُغَفَّل المزني - رضي الله عنه - قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أصل الشجرة التي قال الله تعالى في القرآن، وكان يقع من أغصان تلك الشجرة على ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وسهيل بن عمرو بين يديه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعليّ - رضي الله عنه -: "اكتب بسم الله الرحمن الرحيم"، فأخذ سهيل بيده، وقال: ما نعرف الرحمن الرحيم، اكتب في قضيتنا ما نعرف، فقال: اكتب باسمك اللهم، وكتب: "هذا ما صالح عليه محمد رسول الله أهل مكة"، فأمسك سهيل بن عمرو بيده، وقال: لقد ظلمناك إن كنت رسوله، اكتب في قضيتنا ما نعرف، فقال: اكتب: "هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله"، فبينا نحن كذلك إذ خرج علينا ثلاثون شابًّا عليهم السلاح، فثاروا في وجوهنا، فدعا عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخذ الله تعالى بأسماعهم، فقمنا إليهم، فأخذناهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هل جئتم في عهد أحد؟ أو هل جعل لكم أحد أمانًا؟ " فقالوا: لا، فخَلَّى سبيلهم، فأنزل الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} الآية" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015