فيصير عند سامعي ذلك كذّابًا، وفي رواية ابن إسحاق التصريح بذلك، ولفظه: "فوالله أَبُو قد كذبت ما ردُّوا عليّ، ولكني كنت امرءًا سيّدًا، أتكرم عن الكذب، وعَلِمت أن أيسر ما في ذلك إن أنا كذبته أن يحفظوا ذلك عنّي، ثم يتحدثوا به، فلم أكذبه"، وزاد ابن إسحاق في روايته: "قال أبو سفيان: فوالله ما رأيت من رجل قطّ، كان أدهى من ذلك الأقلف"؛ يعني: هرقل. انتهى (?).

(ثُمَّ قَالَ) هرقل (لِتَرْجُمَانِهِ: سَلْهُ) تقدّم أنه أمْرٌ من سأل يسأل، كخاف يخاف، لغة في سأل يسأل، كفتح يفتح، ويَحْتَمِل أن يكون تخفيفًا من اسأله. (كَيْفَ حَسَبُهُ فِيكُمْ؟ ) كذا في رواية مسلم بلفظ "حسبه"، وفسّره النوويّ بنَسَبه، وفيه نظرٌ، قال المجد رحمه الله: "الْحَسَبُ": ما تعُدّه من مفاخر آبائك، أو المال، أو الدِّين، أو الكرم، أو الشرفُ في الفِعْل، أو الفَعَالُ الصالح، أو الشرف الثابت في الآباء، أو البالُ، أو الحسب والكرم قد يكونان لمن لا آباء له شُرَفاء، والشرف والمجد لا يكونان إلا بهم. انتهى (?).

وقال الفيّوميّ رحمه الله: "الحَسَبُ" - بفتحتين -: ما يُعَدّ من المآثر، وهو مصدر حَسُبَ وِزانُ شَرُفَ شَرَفًا، وكَرُمَ كَرَمًا، قال ابن السِّكِّيت: الحَسَبُ، والكرم يكونان في الإنسان، وإن لم يكن لآبائه شَرَفٌ، ورجل حَسِيبٌ كريم بنفسه، قال: وأما المجد، والشرف فلا يوصف بهما الشخص إلا إذا كانا فيه، وفي آبائه، وقال الأزهريّ: الحَسَبُ: الشرف الثابت له، ولآبائه، قال: وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "تُنكح المرأة لِحَسَبها" أحوج أهل العلم إلى معرفة الْحَسَب؛ لأنه مما يُعتبر في مهر المثل، فَالحَسَبُ: الفَعَال له، ولآبائه، مأخوذ من الْحِسَاب، وهو عدّ المناقب؛ لأنهم كانوا إذا تفاخروا حَسَب كلّ واحد مناقبه، ومناقب آبائه، ومما يَشهد لقول ابن السّكِّيت قول الشاعر [من الطويل]:

وَمَنْ كَانَ ذَا نَسْبٍ (?) كَرِيمٍ وَلَمْ يَكُنْ ... لَهُ حَسَبٌ كَانَ اللئِيمَ المُذَمَّمَا

جَعَل الحسب فَعَال الشخص، مثل الشجاعة، وحُسن الخُلق، والجود، ومنه قوله: "حَسَبُ المرء دينه"، وقولهم: "يُجْزَى المَرْءُ عَلَى حَسَبِ عَمَلِهِ"؛

طور بواسطة نورين ميديا © 2015