بلادي، لكذبت عليه؛ لِبُغضي إياه، ومحبتي نَقْصه، وفي هذا بيان أن الكذب قبيح في الجاهلية، كما هو قبيح في الإسلام. انتهى (?).
وقال القرطبيّ رحمه الله: وإنما وقع له هذا في ذلك الوقت؛ لشدَّة عداوته للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وحسده، وحرصه على إطفاء نوره، {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} [التوبة: 32]، وفيه ما يدلّ على أن الكذب مذموم في الجاهلية، والإسلام، وأنه ليس من خلق الكرام. انتهى (?).
ووقع في رواية البخاريّ: "لولا الحياء من أن يأثروا عليّ كَذِبًا لكذبت عنه"، وهو بضم الثاء وكسرها، من أَثَرت الحديث بالقصر، آثره بالمدّ وضمّ المثلثة، وكسرها، من باب نصر، وضرب أَثْرًا، ساكنة الثاء: حدَّثت به، ويقال: أَثَرت الحديث؛ أي: رويته، والمعنى هنا: أن يُنقَلَ (عَلَيَّ)؛ أي: عني، فـ "على" بمعنى "عن"، كما في قول الشاعر [من الوافر]:
إِذَا رَضِيَتْ عَلَيَّ بَنُو قُشَيْرٍ ... لَعَمْرُ اللهِ أَعْجَبَنِي رِضَاهَا
أي: رضيت عنّي، أفاده في "العمدة" (?).
(الْكَذِبُ لَكَذَبْتُ) ولفظ البخاريّ: "لكذبت عنه"؛ أي: لأخبرت عن حاله بكذب؛ لبغضي إياه، ولمحبتي نقصه.
ومعنى هذا الكلام: لولا مخافتي من أن رُفقتي يروون عني، ويحكون في بلدي عني كذبًا، فأُعابَ به؛ لأن الكذب قبيح، وإن كان على العدوّ، لكذبت عليه، ويُعلم منه قُبْح الكذب في الجاهلية أيضًا، أفاده في "العمدة" (?).
وقال في "الفتح": قوله - عند البخاريّ -: "فوالله لولا الحياء من أن يأثروا"؛ أي: ينقلوا عليّ الكذب لكذبت عليه، وللأصيليّ: "عنه"؛ أي: عن الإخبار بحاله، وفيه دليل على أنهم كانوا يستقبحون الكذب، إما بالأخذ عن الشرع السابق، أو بالعُرف، وفي قوله: "يأثروا" دون قوله: يكذبوا دليل على أنه كان واثقًا منهم بعدم التكذيب أن لو كَذَب؛ لاشتراكهم معه في عداوة النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، لكنه ترك ذلك استحياءً وأَنَفَةً من أن يتحدثوا بذلك بعد أن يرجعوا،