6 - (ومنها): بيان ما كان عليه الصحابة - رضي الله عنهم - من توقير النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ومن معاناة التنزّه عن خوارم المروءة، والله تعالى أعلم.
(المسألة الرابعة): في أقوال أهل العلم في أكل طعام الغنيمة في دار الحرب:
قال القاضي عياض رحمه الله: أجمع العلماء على جواز أكل طعام الحربيين ما دام المسلمون في دار الحرب، فيأكلون منه قَدْر حاجاتهم، ويجوز بإذن الإمام، وبغير إذنه، ولم يشترط أحد من العلماء استئذانه إلا الزهريّ، وجمهورهم على أنه لا يجوز أن يُخْرِج معه منه شيئًا إلى عمارة دار الإسلام، فإن أخرجه لزمه رده إلى المغنم، وقال الأوزاعيّ: لا يلزمه، وأجمعوا على أنه لا يجوز بيع شيء منه في دار الحرب، ولا غيرها، فإن بِيْع منه شيء لغير الغانمين كان بَدَله غنيمته، ويجوز أن يَرْكب دوابهم، ويلبس ثيابهم، ويستعمل سلاحهم في حال الحرب بالإجماع، ولا يفتقر إلى إذن الإمام، وشَرَط الأوزاعيّ إذنه، وخالف الباقين. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله عنه: ما ذهب إليه الجمهور من جواز الأكل بلا استئذان الإمام، وكذا ركوب دوابهم عند الحاجة، واستعمال سلاحهم، ونحو ذلك هو الأرجح؛ لقوّة دليله، فتأمل بالإمعان، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في حكم ذبائح أهل الكتاب:
قال الإمام ابن قُدامة رحمه الله: أجمع أهل العلم على إباحة ذبائح أهل الكتاب؛ لقول الله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} الآية [المائدة: 5]؛ يعني: ذبائحهم. قال البخاريّ: قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: طعامهم: ذبائحهم، وكذلك قال مجاهد، وقتادة، ورُوي معناه عن ابن مسعود، وأكثر أهل العلم يرون إباحة صيدهم أيضًا، قال ذلك: عطاء، والليث، والشافعيّ، وأصحاب الرأي، ولا نعلم أحدًا حَرَّم صيد أهل الكتاب، إلا مالكًا، أباح ذبائحهم،