وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)} [البقرة: 190] مع أننا أسلفنا أن هذه الآية إنما تفيد مشروعيّة المرحلة الثالثة في بداية الإسلام حين كانت الدولة الإسلاميّة في حالة الضعف، فأوجب الله عليهم قتال من قاتلهم، دون من لم يبدأهم بالقتال، وقد جزم بذلك الإمام الشافعيّ - رحمه الله - في عبارته التي أسلفناها عنه.

وقال بعض آخر من المفسّرين: إنها نزلت في النساء والذريّة؛ أي: لا تقاتلوا إلا من يقاتل، وهم الرجال البالغون، أما النساء والذريّة، والرهبان، فلا يجوز قتالهم؛ لأنهم ليسوا من أهل القتال، وهذا تفسير قويّ يؤيّده نهي النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن قتل النساء والولدان، وأصحاب الصوامع، راجع: "أحكام القرآن" للجصّاص - رحمه الله - (?).

وأما قوله تعالى: {وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87)} [المائدة: 87] فالاعتداء هنا معناه كما قال المفسّرون: لا تقاتلوا على غير الدين، ولا تقاتلوا إلا من قاتل، وهم الرجال البالغون، دون النساء والذريّة، والرهبان، فإنه اعتداء، راجع "أحكام القرآن" لابن العربيّ - رحمه الله - (?).

وربما يستدلّون بقوله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61)} [الأنفال: 61] مع أنه مسوق أيضًا لبيان الحكم في حالة ضعف المسلمين، قال ابن العربيّ - رحمه الله -: إن كان العدوّ كثيفًا، فإنه يجوز مهادنتهم، كما دلّت هذه الآية، فإذا كان المسلمون على عزّة وقوّة فلا صلح، قال تعالى: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} [محمد: 35] (?).

وقال أبو بكر الجصّاص - رحمه الله -: فالحال التي أمرنا بالمسامحة حال قلّة المسلمين، وكثرة عدوّهم، والحال التي أمرنا فيها بقتال المشركين، وبقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية في حالة كثرة المسلمين، وقوّتهم على عدوّهم، وقد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015