قال تعالى: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} [محمد: 35] (?) نهي عن المسالمة عند القوّة على قهر العدوّ.
وهناك طائفة أخرى من المفسّرين تفسّر السلم في الآية بالمصالحة على الجزية، قال القرطبيّ - رحمه الله -: وقيل: ليست بمنسوخة، بل أراد قبول الجزية من أهل الجزية، وقد صالح أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في زمن عمر - رضي الله عنه -، ومن بعده من الأئمة كثيرًا من بلاد العجم على ما أخذوه منهم، وتركوهم على ما هم فيه، وهم قادرون على استئصالهم. انتهى (?).
وقد يستدلّون بقوله تعالى: {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (90)} [النساء: 90] مع أن هذه الآية مرحلة أيضًا، ونزلت في طائفة مخصوصة، فمن المفسّرين من قال: إنها منسوخة نسختها آية البراءة، {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} الآية [التوبة: 5]، روي ذلك عن ابن عبّاس - رضي الله عنهما -، كما في "تفسير ابن كثير" (?)، وغيره، ومنهم من قال: إنها مُحْكَمة في حقّ أفراد في جيش الكفّار، اعتزلوا عن القتال، قال ابن كثير: أي: فليس لكم أن تقاتلوهم ما دامت حالهم كذلك، وهؤلاء كالجماعة الذين خرجوا يوم بدر من بني هاشم مع المشركين، فحضروا القتال، وهم كارهون، كالعبّاس، ونحوه، ولهذا نهى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن قتل العبّاس، وأمر بأسره.
وبالجملة فجميع الآيات التي يستدلّ بها هؤلاء متعلّقة بحالة مخصوصة في بداية الإسلام، والذي استقرّ عليه أمر الجهاد ما نزل في "سورة التوبة"، وهو قوله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)} [التوبة: 5]، وقوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)}