وصارت مشروعيّة الجهاد بأقسامه كلمة إجماع فيما بينهم، لم يختلف فيه اثنان، ولا ظهر فيه رأيان.

ولكن ظهر في القرن الرابع عشر رجال أرادوا تطبيق الإسلام على النظريّات والأفكار الغربيّة، فحاولوا في كثير من المسائل أن يبتدعوا في الفقه الإسلاميّ آراء موافقة لأهواء أهل الغرب، ويُلقموها في فم النصوص الشرعيّة كُرهًا؛ إرضاء للمستعمرين، والمستشرقين وقد قال الله عز وجل: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120)} [البقرة: 120].

فابتدع هؤلاء في أمر الجهاد بدعة لا سلف لهم فيها، وهي أن الجهاد في الإسلام الدفاع فقط، وأن المسلمين لا يجوز لهم أن يغزوا الكفّار لأجل إخضاعهم لسلطان الإسلام، وإعلاء كلمة الله على كلمتهم، إلا إذا سبق الكفّار بالاعتداء على المسلمين.

قال صاحب "التكملة" (?): وأول ما ظهر هذا الرأي المبتدع - فيما نعلم - على أيدي تلاميذ المدرسة العقليّة الحديثة التي من أشهر رجالها المفتي محمد عبده، ورشيد رضا، وجمال الدين الأفغانيّ في البلاد العربيّة، وسر سيّد أحمد خان وجراغ علي، وأمثالهما في الهند، وقد حذا حذوهم في هذه المسألة الأستاذ شبلي النعماني صاحب "سيرة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - " أيضًا، وقد تأثّر بهذا الرأي المبتدَع كثير من الكتّاب المعاصرين في البلاد الإسلاميّة، ولكن قام في الوقت نفسه فحول العلماء في كلّ بلد وقُطر للردّ على هذه النظريّة بأدلّة مقنعة، وحُجج بيّنة، لا محيص لإنكارها.

وإن أكبر ما استندوا إليه من هذا الرأي المبتدَع الآيات التي تبيح للمسلمين السلم والصلح، أو تأمرهم بالجهاد عند اعتداء الكفّار، مع أننا قد فصّلنا في تاريخ تشريع الجهاد أنها آيات مرحليّة تفيد مشروعيّة الجهاد في حالة مخصوصة، ولا تنفي مشروعيّته في حالة أخرى.

فمثلًا إنهم يستدلّون بقوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015