لحكم الله تعالى، وأحكام الإسلام، ثم يترك الكفّار، وما يدينون في حياتهم الانفراديّة، وإنما يؤدّون الجزية، وهي مبلغ يسير من المال؛ لأن الحكومة الإسلاميّة تقوم بحفظ أنفسهم، وأموالهم، وأعراضهم.
وإن هذا الهدف هو الذي بيّنه الله سبحانه وتعالى في قوله عز وجل: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39)} [الأنفال: 39].
قال الإمام ابن جرير الطبريّ - رحمه الله - في تفسير هذه الآية: فقاتلوهم حتى لا يكون شرك، ولا يعبد إلا الله وحده لا شريك له، فيرتفع البلاء عن عباد الله من الأرض، وهو الفتنة. انتهى (?).
وهذا الهدف هو الذي باح به ربعيّ بن عامر - رضي الله عنه - أمام رستم حين هجم المسلمون فارس، وسأله رستم: ما جاء بكم؟ فقال: الله ابتعثنا؛ لنُخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام. ذكره ابن كثير - رحمه الله - في "تاريخه" (?).
فإن قبل الكفّار إقامة حكم الله على العباد، وخضعوا له بأداء الجزية، فقد حصل مقصود الجهاد، وحينئذ لا يُكرهون على قبول عقيدة الإسلام على حدّ السيف والسلاح، وإنما يُتركون على عقيدتهم حتى يقتنعوا بحقيّة الإسلام، ويرغبوا بأنفسهم إلى اعتناقه بالأعين المفتوحة، وإليه يشير الله سبحانه وتعالى حيث يقول: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)} [التوبة: 29].
(المسألة الثامنة): في ذكر أدلة من قَصَر الجهاد على الدفع فقط، وتفنيدها:
(اعلم): أن كلّ ما ذكرناه من حقيقة الجهاد، وأحكامه، وأهدافه مستنبط من القرآن والسُّنَّة، وأقوال السلف الصالحين، وهو الذي ظلّ المسلمون يعتقدونه في أمر الجهاد، ويعملون بمقتضاه طوال ثلاثة عشر قرنًا من تاريخهم،