وسكت عليه الذهبيّ. وقال القرطبيّ - رحمه الله - في "تفسيره": ولم يُؤذَن للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - في القتال مدّة إقامته بمكة. انتهى (?).
(المرحلة الثانية): إباحة القتال، دون أن يُفرض ذلك على المسلمين، وفي هذه المرحلة نزل قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)} [الحج: 39، 40].
قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسير هذه الآية: وقال غير واحد من السلف: هذه أول آية نزلت في الجهاد، واستَدَلّ بهذه الآية بعضهم على أن السورة مدنيّة. انتهى (?).
(المرحلة الثالثة): فرض القتال على المسلمين لمن ابتدأهم بالقتال فقط، دون أن يبتدءوا به ضدّ أعدائهم، وفي هذه المرحلة نزل قوله تعالى في "سورة البقرة": {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)} [البقرة: 190]، وقوله تعالى في "سورة النساء": {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (90) سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (91)}.
(المرحلة الرابعة): قتال جميع الكفّار على اختلاف أديانهم، وأجناسهم ابتداءً، وإن لم يبدءوا بقتال المسلمين حتى يُسلموا، أو يدفعوا الجزية؛ كسرًا لشوكة الكفر، وإعزازًا للدين، إعلاء لكلمة الله تعالى، وبدأت هذه المرحلة بعد انقضاء أربعة أشهر من حجّ العام التاسع الذي تَرَأَّسَه أبو بكر الصدّيق - رضي الله عنه -، وقد وقع إعلان هذه المرحلة في ذلك الحجّ بلسان عليّ - رضي الله عنه -، ومن معه، وقد ذكره الله عز وجل مفصّلًا في "سورة التوبة"، وفيها يقول: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ