وجمع بعضهم بين حديث أُبَيّ بن كعب - رضي الله عنه - هذا، وحديث زيد بن خالد الجهنيّ - رضي الله عنه - المتقدّم، فإنه لَمْ يُختَلَف عليه في الاقتصار على سنة واحدة، فقال: يُحْمَل حديث أُبَيّ بن كعب على مزيد الورع عن التصرف في اللقطة، والمبالغة في التعفف عنها، وحديث زيد على ما لا بُدّ منه، أو لاحتياج الأعرابيّ، واستغناء أُبَيّ.
قال المنذريّ: لَمْ يقل أحد من أئمة الفتوى: إن اللقطة تُعَرَّف ثلاثة أعوام، إلَّا شيء جاء عن عمر - رضي الله عنه -. انتهى.
وقد حكاه الماورديّ عن شواذ من الفقهاء، وحَكَى ابن المنذر عن عمر أربعة أقوال: يُعَرِّفها ثلاثة أحوال، عامأ واحدًا، ثلاثة أشهر، ثلاثة أيام، وَيُحْمَل ذلك على عِظَم اللقطة، وحقارتها، وزاد ابن حزم عن عمر قولًا خامسًا، وهو أربعة أشهر، وجزم ابن حزم، وابن الجوزيّ بأن هذه الزيادة غلط، قال: والذي يظهر أن سلمة أخطأ فيها، ثم تثبَّت، واستذكر، واستمرّ على عام واحد، ولا يؤخذ إلَّا بما لَمْ يشكّ فيه راويه، وقال ابن الجوزيّ: يَحْتَمِل أن يكون - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَف أن تعريفها لَمْ يقع على الوجه الذي ينبغي، فأمر أُبَيًّا بإعادة التعريف، كما قال للمسيء صلاته: "ارجع، فصلّ، فإنك لَمْ تصل". انتهى.
وتعقّبه الحافظ، فقال: ولا يخفى بُعْدُ هذا على مثل أُبَيّ، مع كونه من فقهاء الصحابة، وفضلائهم.
وقد حَكَى صاحب "الهداية" من الحنفية رواية عندهم أن الأمر في التعريف مُفَوَّض لأمر الملتقِط، فعليه أن يُعَرِّفها إلى أن يغلب على ظنه أن صاحبها لا يطلبها بعد ذلك، والله أعلم، وقد تقدّم بقيّة مباحث الحديث في شرح حديث زيد بن خالد الجهنيّ - رضي الله عنه - الماضي، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أُبيّ بن كعب - رضي الله عنه - هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [1/ 4498 و 4499 و 4500] (1723)،