إلَّا بالبينة، قال: ويتأول قوله: "اعرِفْ عِفاصها" على أنَّه أَمَره بذلك؛ لئلا تختلط بماله، أو لتكون الدعوى فيها معلومة، وذكر غيره من فوائد ذلك أيضًا أن يُعرَف صدق المدعِي من كذبه، وأن فيه تنبيهًا على حفظ الوعاء وغيره؛ لأنَّ العادة جرت بإلقائه إذا أُخِذت النفقة، وأنه إذا نبَّه على حفظ الوعاء، كان فيه تنبيه على حفظ المال من باب أَولى.

قال الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ -: قد صحت هذه الزيادة، فتعيَّن المصير إليها، وقد سبق أيضًا في حديث زيد بن خالد الجهنيّ - رضي الله عنه - المتقدّم، وما اعْتَلَّ به بعضهم من أنه إذا وصفها فاصاب، فدفعها إليه، فجاء شخص آخر، فوصفها، فأصاب، لا يقتضي الطعن في الزيادة، فانه يصير الحكم حينئذ كما لو دفعها إليه بالبينة، فجاء آخر، فأقام بينة أخرى أنَّها له، وفي ذلك تفاصيل للمالكية وغيرهم.

وقال بعض متأخري الشافعية: يمكن أن يُحْمَل وجوب الدفع لمن أصاب الوصف على ما إذا كان ذلك قبل التملك؛ لأنه حينئذ مال ضائع، لَمْ يتعلق به حقّ ثان، بخلاف ما بعد التملك، فإنه حينئذ يحتاج المدعي إلى البينة؛ لعموم قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "البينة على المدعي"، ثم قال: أما إذا صحت الزيادة فتخص سورة الملتقط من عموم: "البينةُ على المدعي"، والله أعلم. انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن بما ذُكر أن هذه الزيادة صحيحة، وأن العمل بها واجب، فما ذهب إليه مالك، وأحمد هو الحقّ.

والحاصل أنه إذا جاء صاحب اللقطة، ووصفها بأوصافها المطابقة لِمَا عند الملتقَط وجب على الملتقِط دَفْعُها إليه دون طلب بيّنة، أو غيرها؛ لأمْر النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك دون شرط أو قيد، فتبصّر، والله تعالى أعلم.

(فَاسْتَمْتَعْتُ بِهَا)؛ أي: أنفقتها على نفسي، كما أمرني النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك (فَلَقِيتُهُ) بكسر القاف، يقال: لقِيته ألقاه، من باب تَعِبَ لُقِيًّا، والأصل على فُعُول، ولُقًى بالضمّ مع القصر، ولقَاءً بالكسر مع المدّ والقصر، وكلُّ شيء استقبل شيئًا، أو صادفه، فقد لَقِيه، قاله الفيّوميّ (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015