تعريفها، فدّل على أن ما كان تافهًا، لا يجب تعريفه، والله تعالى أعلم.
5 - (ومنها): جواز الاستمتاع باللقطة بعد التعريف للملتقِط مطلقًا، فقيرًا كان، أو غنيًّا، بشرط الضمان إذا جاء صاحبها؛ لإطلاقه - صلى الله عليه وسلم -، وعدم تقييده بالفقير، قال الخطابيّ رحمه الله: في لفظ: "ثم استمتع" بيانُ أنها له بعد التعريف يَفعل بها ما شاء، بشرط أن يرُدّها إذا جاء صاحبها، إن كانت باقيةً أو قيمتها إن كانت تالفة، فإذا ضاعت اللقطة نُظِر، فإن كان في مدة السنة لم يكن عليه شيء؛ لأن يده يد أمانة، وإن ضاعت بعد السنة فعليه الغرامة؛ لأنها صارت دَينًا عليه.
وأغرب الكرابيسي من الشافعية، فقال: لا يلزمه ردّها بعد التعريف، ولا ردّ بدلها، وهو قول داود، وقول مالك في الشاة، وقال سعيد بن المسيِّب، والثوريّ: يتصدق بها، ولا يأكلها، ورُوي ذلك عن عليّ، وابن عباس، وقال مالك: يُستحب له أن يتصدق بها مع الضمان، وقال الأوزاعيّ: المال الكثير يُجعل في بيت المال بعد السنة، والله تعالى أعلم، قاله في "العمدة" (?).
وقال في "الفتح": واستُدِلّ به على أن الملتقط يتصرف فيها، سواء كان غنيًّا، أو فقيرًا، وعن أبي حنيفة: إن كان غنيًّا تصدق بها، وإن جاء صاحبها تخير بين إمضاء الصدقة، أو تغريمه، قال صاحب "الهداية": إلا إن كان بإذن الإمام، فيجوز للغنيّ كما في قصة أُبَيّ بن كعب، وبهذا قال عمر، وعليّ، وابن مسعود، وابن عباس، وغيرهم من الصحابة والتابعين. انتهى (?).
6 - (ومنها): أن المازريّ استدلّ لعدم الغرامة بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "هي لك"، وظاهره التمليك، والمالك لا يغرَّم، ونبَّه بقوله: "للذئب" أنها كالتالفة على كل حال، وأنها مما لا يُنتفع صاحبها ببقائها.
وتُعُقِّب بأن اللام للاختصاص؛ أي: إنك تختص بها، ويجوز لك أكْلها، وأخْذها، وليس فيه تعرّض للغُرْم، ولا لعدمه، بل بدليل آخر، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإن طالَبَها يومًا من الدهر، فأدِّها إليه"، رواه مسلم.