الدوابّ يُسَيِّبها أهلها في البراري، حتى يحتاجوا إليها، فيُمسكوها وقت حاجتهم، ولا حاجة في التقاطها في مثل هذه الحالة، والذي يدل على هذا ما رواه مالك في "الموطإ" عن ابن شهاب قال: كان صواّل الإبل في زمن عمر - رضي الله عنه - إبلًا مُؤبَّلة تتناتج، لا يمسكها أحد، حتى إذا كان زمن عثمان - رضي الله عنه - أَمَر بمعرفتها، ثم تباع، فإذا جاء صاحبها أعطي ثمنها.
قال الجوهريُّ: إذا كانت الإبل للقِنْية فهي إبل مؤبَّلة. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله عنه: الذي ذهب إليه الحنفيّة من جواز التقاط البهيمة مطلقًا إذا خيف عليها الضياع هو الذي يترجح عندي؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - علّل منع التقاط الإبل بكونها ممتنعة بنفسها، ومفهومه أنها إذا لم تمتنع بنفسها، حلّ التقاطها، فتأمل، والله تعالى أعلم.
4 - (ومنها): وجوب تعريف اللقطة سَنَة، ولا فرق في ذلك بين القليل والكثير، كما هو ظاهر الحديث، إلا أن يكون يسيرًا لا يطلبه صاحبه، كتمرة ونحوها؛ والأصح عند الشافعية: أنه لا يجب التعريف في القليل منه، بل يعرّفه زمنًا يظن أن فاقده يتركه غالبًا، وقال الليث: إن وجدها في القرى عرّفها، وإن وجدها في الصحراء لا يعرّفها، وقال المازريّ: لم يُجْرِ مالك اليسير مُجْرَى الكثير، واستحبّ فيه التعريف، ولم يبلغ به سنةً، وقد جاء أنه - صلى الله عليه وسلم - مر بتمرة، فقال: "لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها"، فنبَّه على أن اليسير الذي لا يَرجع إليه أهله يؤكل.
وقال بعض العلماء: إن السوط، والعصا، والحبل، ونحوه ليس فيه تعريف، وإنه مما يُعفى عن طلبه، وتُطِيبُ النفس بتركه، كالتمرة، وقليل الطعام.
قال الجامع عفا الله عنه: الذي يترجّح عندي أن القليل الذي لا يلتفت إليه أوساط الناس، ويزهدون فيه، ولا يحرصون عليه، لا يجب تعريفه، ودليل ذلك ما أخرجاه في "الصحيحين" من حديث أنس - رضي الله عنه -، أنه - صلى الله عليه وسلم - مرّ بتمرة في الطريق، فقال: "لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها"، فلم يذكر