بدلها عندنا، وعند الجمهور، وقال داود: لا يلزمه، والله أعلم. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله عنه: الحقّ ما ذهب إليه الجمهور، فإنه - صلى الله عليه وسلم - قال بعد قوله: "فاستنفق بها": "ولتكن وديعة عندك، فإن جاء طالبها يومًا من الدهر، فأدِّها إليه"، فأوجب عليه أداءها بعد استنفاقها، فتبصّر، والله تعالى أعلم.
وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "فإن جاء صاحبها، وإلا فشأنُك بها - أو: فهي لك"، أو: "فاستنفقها"، وفي حديث أُبَيّ: "وإلا فاستمتع بها"، وفي كتاب الترمذيّ: "ثمَّ كُلها"، وفي كتاب النسائيّ من حديث عياض بن حمار: "وإلا فهي مال الله يؤتيه من يشاء": أفادت هذه الروايات كلها أن واجد اللقطة بعد التعريف أحقّ بالنظر فيها من غيره، فلا ينتزعها منه السلطان ولا غيره، وهو قول أهل العلم، غير أن الأوزاعيّ قال: إن كان مالًا كثيرًا جعله في بيت المال.
واختلفوا إن كان غير مأمون؛ هل يتركها السلطان بيده، أو يأخذها منه؟ فعن الشافعيّ في ذلك قولان، قال القاضي عياض: ومقتضى مذهب مالك، وأصحابه: أن يأخذها منه إن كان غير مأمون، وهو الصحيح - إن شاء الله تعالى - فإذا أُقرَّت بيده؛ فما الذي يفعل بها؟ ! الجمهور: على أن له أن يمسكها عنده، ولا ضمان عليه؛ لأنَّها وديعة، كما جاء في بعض طرقه: "ولتكن وديعة عندك"، وله أن يصرفها في مصالحه من أكل، أو انتفاع، وله أن يتصدَّق بها، ولا بدَّ في هذين من الضمان متى جاء صاحبها، وإلى هذا ذهب عمر بن الخطاب، وابنه، وابن مسعود، وعائشة، وعطاء، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وأبو حنيفة. غير أنه - أعني: أبا حنيفة - لم يُبْح أكلها إلا للفقير، وشذَّ داود فأسقط عنه الضمان بعد السَّنة.
وموجب الخلاف اختلاف تلك الروايات، وذلك: أن ظاهر قوله: "فهي لك"، وقوله: "ثم كُلها"، وقوله: "وإلا فهو مال الله يؤتيه من يشاء": التمليك، وسقوط الضمان، وبه اغتَرَّ داود، لكن قد أزال ذلك الظاهر، ودَحَضَه رواية العدل، الضابط الحافظ، الامام يحيى بن سعيد عن يزيد - مولى المنبعث - أنَّه