وإن لم يكن؛ صُرف للفقراء والمساكين، وفيمن يستعين به على أمور الدِّين، وفيما أمكن من مصالح المسلمين، والله تعالى أعلم. انتهى (?)، والله تعالى أعلم - بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في التحكيم:
قال الإمام النسائيّ رحمه الله: "باب إذا حَكَّمُوا رجلًا، فقضى بينهم"؛ أي: جاز، ثم أورد فيه بسند صحيح عن شُرَيح بن هانئ، عن أبيه هانئ، أنه لَمّا وَفَد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمعه، وهم يَكْنُون هانئًا أبا الحكم، فدعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال له: "إن الله هو الْحَكَم، وإليه الْحُكْم، فَلِمَ تُكنَى أبا الحكم؟ " فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني، فَحَكَمت بينهم، فرضي كلا الفريقين، قال: "ما أحسن هذا؟ فما لك من الولد؟ " قال: لي شُريح، وعبد الله، ومسلم، قال: "فمن أكبرهم؟ " قال: شُريح، قال: "فأنت أبو شُريح"، فدعا له، ولولده. انتهى (?).
فاحتجّ النسائيّ رحمه الله بهذا الحديث على جواز التحكيم بين المتخاصمين، وهو احتجاج واضح؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - استحسن ما فعله قوم هانئ - رضي الله عنه - به من التحكيم، فدلّ على جوازه، وأن حكمه يلزمهما، فتأمل، والله تعالى أعلم.
وقال العلّامة ابن قُدامة رحمه الله في "المغني": وإذا تحاكم رجلان إلى رجل، حَكّماه بينهما ورضياه، وكان ممن يصلح للقضاء، فحكم بينهما جاز ذلك، ونفذ حكمه عليهما، وبهذا قال أبو حنيفة، وللشافعيّ قولان: أحدهما: لا يلزمهما حكمه، إلا بتراضيهما؛ لأن حكمه إنما يلزم بالرضا به، ولا يكون الرضا إلا بعد المعرفة بحكمه.
قال: ولنا ما رَوَى أبو شريح - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: "إن الله هو الحكم، فلم تكنى أبا الحكم؟ " قال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني، فحكمت بينهم، فرضي كلا الفريقين، قال: "ما أحسن هذا، فمن أكبر ولدك؟ " قال: شُريح، قال: "فأنت أبو شريح"، أخرجه النسائي. ورُوي عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -،