قال الخطابيّ: كان الشرك عند الصحابة أكبر من أن يُلَقَّب بالظلم، فحَمَلوا الظلم في الآية على ما عداه، يعني: من المعاصي، فسألوا عن ذلك، فنزلت هذه الآية.
قال الحافظ: كذا قال، وفيه نظر، والذي يظهر لي أنهم حملوا الظلم على عمومه، الشرك فما دونه، وهو الذي يقتضيه صنيع البخاريّ، وإنما حملوه على العموم؛ لأن قوله: {بِظُلْمٍ} نكرةٌ في سياق النفي، لكن عمومها هنا بحسب الظاهر.
قال المحققون: إن دخل على النكرة في سياق النفي ما يؤكد العموم، ويقويه، نحو "من" في قوله: ما جاءني من رجل، أفاد تنصيص العموم، وإلا فالعموم مستفاد بحسب الظاهر، كما فهمه الصحابة من هذه الآية، وبَيَّنَ لهم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن ظاهرها غير مراد، بل هو من العام الذي أريد به الخاص، فالمراد بالظلم أعلى أنواعه، وهو الشرك.
[فإن قيل]: من أين يلزم أنّ مَنْ لَبَسَ الإيمانَ بظلم لا يكون آمنًا، ولا مهتديًا حتى شَقّ عليهم، والسياق إنما يقتضي أن مَن لم يوجد منه الظلم فهو آمن ومهتد؟ ، فما الذي دَلّ على نفي ذلك، عمن وُجِد منه الظلم؟ .
[فالجواب]: أن ذلك مستفاد من المفهوم، وهو مفهوم الصفة، أو مستفاد من الاختصاص المستفاد من تقديم {لَهُمُ} على الأمن: أي لهم الأمن لا لغيرهم، كذا قال الزمخشريّ في قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}، وقال في قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} [المؤمنون: 100]: تقديم {هُوَ} على {قَائِلُهَا} يفيد الاختصاص: أي هو قائلها لا غيره.
[فإن قيل]: لا يلزم من قوله: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} أن غير الشرك لا يكون ظلمًا.
[فالجواب]: أن التنوين في قوله: {لَظُلْمٌ} للتعظيم، وقد بَيَّن ذلك استدلال الشارع بالآية الثانية، فالتقدير: لم يَلْبِسوا إيمانهم بظلم عظيم: أي بشرك؛ إذ لا ظلم أعظم منه، وقد وَرَد ذلك صريحًا عند البخاريّ في قصة إبراهيم الخليل؛ من طريق حفص بن غياث، عن الأعمش، ولفظه: "قلنا: يا رسول الله، أينا لم يظلم نفسه؟ قال: ليس كما تقولون، لم يلبسوا إيمانهم