بين اثنين، أحب إلي من عبادة سبعين سنة"، وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: جاء خصمان يختصمان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "اقض بينهما"، قلت: أنت أولى بذلك، قال: "وإن كان"، قلت: علام أقضي؟ قال: "اقض فإن أصبت فلك عشرة أجور، وإن أخطأت فلك أجر واحد"، رواه سعيد في "سننه".
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: لكن في سنده - كما قال في "الفتح" - ضعف، فتنبّه. والله تعالى أعلم.
قال: وفيه خطر عظيم، ووزر كبير، لمن لم يؤد الحق فيه، ولذلك كان السلف رحمة الله عليهم يمتنعون منه أشد الامتناع، ويخشون على أنفسهم خطره، قال خاقان بن عبد الله: أُريدَ أبو قلابة على قضاء البصرة، فهرب إلى اليمامة، فأريد على قضائها، فهرب إلى الشام، فأريد على قضائها، وقيل: ليس ههنا غيرك، قال: فأنزلوا الأمر على ما قلتم، فإنما مَثَلي مَثَل سابح وقع في البحر، فسبح يومه، فانطلق، ثمَّ سبح اليوم الثاني فمضى أيضًا، فلما كان اليوم الثالث فترت يداه. وكان يقال: أعلم الناس بالقضاء أشدهم له كراهة، ولِعِظَم خطره قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "من جُعل قاضيًا فقد ذُبح بغير سكين"، قال الترمذيّ: هذا حديث حسن. وقيل في هذا الحديث: إنه لم يخرج مخرج الذم للقضاء، وإنما وصفه بالمشقة، فكأن من وَلِيَه قد حُمل على مشقة كمشقة الذبح، قاله ابن قُدامة (?)، والله تعالى أعلم بالصواب.
(المسألة الثالثة): الناس في القضاء على ثلاثة أضرب:
[الأول]: من لا يجوز له الدخول فيه، وهو من لا يحسنه، ولم تجتمع فيه شروطه، فقد رُوي عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "القضاة ثلاثة. . ." ذكر منهم رجلًا قضى بين الناس بجهل، فهو في النار، ولأن من لا يحسنه لا يقدر على العدل فيه، فيأخذُ الحق من مستحقه، فيدفعه إلى غيره.
[الثاني]: من يجوز له، ولا يجب عليه، وهو من كان من أهل العدالة والاجتهاد، ويوجد غيره مثله، فله أن يلي القضاء بحكم حاله، وصلاحيته ولا يجب عليه؛ لأنه لم يتعيَّن له، وظاهر كلام أحمد أنَّه لا يُستحب له الدخول