فيه؛ لِمَا فيه من الخطر والغَرر، وفي تَرْكه من السلامة، ولِمَا ورد فيه من التشديد والذم، ولأن طريقة السلف الامتناع منه والتوقي، وقد أراد عثمان - رضي الله عنه - تولية ابن عمر القضاء فأباه، وقال أبو عبد الله بن حامد: إن كان رجلًا خاملًا لا يُرجع إليه في الأحكام، ولا يُعرَف، فالأولى له توليه؛ لِيُرجَع إليه في الأحكام، ويقوم به الحق، وينتفع به المسلمون، وإن كان مشهورًا في الناس بالعلم، يُرجع إليه في تعليم العلم والفتوى، فالأولى الاشتغال بذلك؛ لِمَا فيه من النفع مع الأمن من الغرر، ونحو هذا قال أصحاب الشافعيّ، وقالوا أيضًا: إذا كان ذا حاجة، وله في القضاء رزق، فالأولى له الاشتغال به، فيكون أولى من سائر المكاسب؛ لأنه قربة وطاعة، وعلى كل حال فإنَّه يُكره للإنسان طلبه، والسعي في تحصيله؛ لأنَّ أنسًا - رضي الله عنه - رَوَى عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "من ابتغى القضاء، وسأل فيه شفعاء، وُكل إلى نفسه، ومن أُكره عليه أنزل الله عليه مَلَكًا يسدده"، قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لعبد الرحمن بن سمرة: "يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة، فإنك إن أُعطيتها عن مسألة، وُكلت إليها، وإن أُعطيتها من غير مسألة أُعنت عليها"، متفق عليه.
[الثالث]: من يجب عليه، وهو من يصلح للقضاء، ولا يوجد سواه، فهذا يتعيَّن عليه؛ لأنه فرض كفاية، لا يقدر على القيام به غيره، فيتعيَّن عليه، كغسل الميت وتكفينه، وقد نُقل عن أحمد ما يدلّ على أنَّه لا يتعين عليه، فإنَّه سئل: هل يأثم القاضي إذا لم يوجد غيره؟ قال: لا يأثم، فهذا يَحْتَمِل أنَّه يُحْمَل على ظاهره في أنَّه لا يجب عليه؛ لِمَا فيه من الخطر بنفسه، فلا يلزمه الإضرار بنفسه لنفع غيره، ولذلك امتنع أبو قلابة منه، وقد قيل له: ليس غيرك، ويَحْتَمِل أن يُحمَل على من لم يمكنه القيام بالواجب لظلم السلطان أو غيره، فإن أحمد قال: لا بد للناس من حاكم، أتذهب حقوق الناس؟ ، ذكره ابن قُدامة - رحمه الله - (?)، والله تعالى أعلم.
(المسألة الرابعة): قال ابن قُدامة - رحمه الله -: يجوز للقاضي أخذ الرزق على القضاء، ورَخَّص فيه شُريح، وابن سيرين، والشافعيّ، وأكثر أهل العلم، ورُوي