القاضي الفاضل في بعض رسائله، أو إقلاعٌ عن معصية، كما وقع لمثل أبي الفرج ابن الجوزيّ، في بعض مواعظه، وعلى هذا يُحمل ما جاء عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وكذا من غيره من السلف الصالح.
قال الحافظ: والذي يظهر لي، أن الذي جاء من ذلك عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، لم يكن عن قصد إلى التسجيع، وإنما جاء اتفاقًا؛ لِعِظَم بلاغته، وأما مَنْ بعده فقد يكون كذلك، وقد يكون عن قصد، وهو الغالب، ومراتبهم في ذلك متفاوتة جدًّا. انتهى (?).
10 - (ومنها): ما قاله ابن بطال - رحمه الله -: لا يجوز للقاضي الحكم إلا بعد طلب حكم الحادثة من الكتاب، أو السُّنَّة، فإن عَدِمه رجع إلى الإجماع، فإن لم يجده، نظر هل يصح الحمل على بعض الأحكام المقررة، لعلة تجمع بينهما؟ فإن وجد ذلك لزمه القياس عليها، إلا إن عارضتها علة أخرى، فيلزمه الترجيح، فإن لم يجد علة، استدلّ بشواهد الأصول، وغلبة الاشتباه، فإن لم يتوجه له شيء من ذلك، رجع إلى حكم العقل، قال: هذا قول ابن الطيب - يعني: أبا بكر الباقلانيّ - ثم أشار إلى إنكار كلامه الأخير بقوله تعالى: {فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} الآية [الأنعام: 38]، وقد عَلِم الجميع بأن النصوص، لم تُحِط بجميع الحوادث، فعرفنا أن الله قد أبان حكمها، بغير طريق النص، وهو القياس، ويؤيد ذلك قوله تعالى: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} الآية [النساء: 83]؛ لأن الاستنباط هو الاستخراج، وهو بالقياس؛ لأن النص ظاهر، ثم ذَكَر في الردّ على منكري القياس، وألزمهم التناقض؛ لأن من أصلهم إذا لم يوجد النص الرجوع إلى الإجماع، قال: فيلزمهم أن يأتوا بالإجماع على ترك القول بالقياس، ولا سبيل لهم إلى ذلك، فوضح أن القياس إنما يُنكر، إذا استُعمل مع وجود النص، أو الإجماع، لا عند فقد النص والإجماع، وبالله التوفيق. ذَكَره في "الفتح" في "كتاب الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة" (?)، وهو بحث نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.