لاس - رضي الله عنه -، قال: "حملنا النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، على إبل من إبل الصدقة، في الحج"، وعلى هذا فالمراد بالعندية، كونها تحت أمره، وحكمه، وللاحتراز من جعل ديته على اليهود، أو غيرهم.
وقال القرطبيّ - رحمه الله -: إنما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مقتضى كرم خُلُقه، وحسن سياسته، وجلبًا للمصلحة، ودفعًا للمفسدة، وإطفاء للثائرة، وتأليفًا للأغراض المتنافرة، ولا سيما عند تعذر الوصول إلى استيفاء الحقّ، ورواية من قال: "من عنده" أصح من رواية من قال: "من إبل الصدقة"، وقد قيل: إنها غلط، والأَولى أن لا يُغَلَّط الراوي ما أمكن، فيَحْتَمِل أوجهًا، فذكر ما تقدم، وزاد: أن يكون تَسَلَّفَ ذلك من إبل الصدقة؛ ليدفعه من مال الفيء، أو أن أولياء القتيل، كانوا مستحقين للصدقة، فأعطاهم، أو أعطاهم ذلك من سهم المؤلفة؛ استئلافًا لهم، واستجلابًا لليهود. انتهى (?).
وقال النوويّ - رحمه الله -: قوله: "أعطى عقله"؛ أي: ديته، وفي الرواية الأخرى: "فوداه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قبله"، وفي رواية: "من عنده"، فقوله: "وداه" بتخفيف الدّال؛ أي: دفع ديته، وفي رواية: "فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبطل دمه، فوداه مائة من إبل الصدقة".
قال: إنما وداه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطعًا للنزاع، وإصلاحًا لذات البين، فإن أهل القتيل لا يستحقّون إلا أن يَحلِفوا، أو يستحلفوا المدَّعَى عليهم، وقد امتنعوا من الأمرين، وهم مكسورون بقتل صاحبهم، فأراد - صلى الله عليه وسلم - جبرهم، وقطع المنازعة، وإصلاح ذات البين بدفع ديته من عنده.
قال: وقوله: "فوداه من عنده" يَحْتَمِل أن يكون من خالص ماله في بعض الأحوال صادف ذلك عنده، ويَحْتَمِل أنه من مال بيت المال، ومصالح المسلمين.
وأما قوله في الرواية الأخيرة: "من إبل الصدقة"، فقد قال بعض العلماء: إنها غلط من الرواة؛ لأن الصدقة المفروضة لا تُصْرَف هذا المصرف، بل هي لأصناف سمّاهم الله تعالى، وقال الإمام أبو إسحاق المروزيّ من