(قَالُوا: وَكَيْفَ نَقْبَلُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ") وفي رواية: "ما يبالون أن يقتلونا أجمعين، ثم يحلفون".
قال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "كيف نقبل أيمانَ قومٍ كُفَّار": استبعاد لصدقهم، وتقريبٌ لإقدامهم على الكذب، وجرأتهم على الأيمان الفاجرة، وعلى هذا يدل قولهم: "ليسوا بمسلمين"؛ أي: ما هم عليه من الكفر والعداوة للمسلمين يُجَرِّؤهم على الأيمان الكاذبة، لكنهم مع هذا كله لو رَضُوا بأيمانهم لَحُلِّفوا، ولا خلاف أعلمه في أن الكافر إذا توجَّهت عليه يمين: أنه يحلفها أو يُعَدُّ ناكلًا.
وبماذا يُحَلَّف؛ فالمشهور عن مالك: أنَّه إنما يُحَلَّف بالله؛ الذي لا إله إلا هو، سواء كان يهوديًّا، أو نصرانيًّا، أو غيرهما من الأديان، كما يحلَّف المسلم، وفيه نظر. وروى الواقدي عن مالك: أن اليهوديّ يحلف بالله الذي أنزل التوراة على موسى، والنصراني: بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى، وهذا القول أمشى على الأصل من الأول، وذلك: أنَّا إذا أجبرنا النصرانيّ على أن يحلف بالتوحيد مع قطعنا: بأنَّه خلاف معتقده، ودينه؛ فقد أجبرناه على الخروج عن دينه، مع أنا قد عاهدناه على إبقائه على اعتقاده، ودينه. وأيضًا: فلا مانع له من أن يُقْدِم على الحلف بذلك؛ إذ هو في اعتقاده ليس بصحيح. فالأولى القول الثاني. ويحلَّف في المواضع التي يَعتقد تعظيمها. انتهى (?).
وقال في "الفتح" ما حاصله: لم يُذكَر في رواية سعيد بن عبيد، عرض الأيمان على المدَّعين، كما لم يقع في رواية يحيى بن سعيد، طلب البيّنة أَوّلًا.
وطريق الجمع أن يقال: حَفِظ أحدهم ما لم يحفظ الآخر، فيُحْمَل على أنه طلب البيّنة، أوّلًا، فلم تكن لهم بيّنة، فعَرَض عليهم الأيمان، فامتنعوا، فعرض عليهم تحليف المدعَى عليهم، فأَبَوا.
وأما قول بعضهم: إنَّ ذِكر البيّنة وَهَمٌ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم -، قد عَلِمَ أن خيبر حينئذٍ، لم يكن بها أحد من المسلمين، فدعوى نفي العلم مردودة، فإنه وإن سُلِّم أنه لم يسكن مع اليهود فيها أحد من المسلمين، لكن في نفس القصة، أن جماعة