وسبب ذلك أن الحالف جازم في دعواه، فلا يحلف إلا على ما تحققه، كالشاهد، غير أنَّه لا يُشرط في تحقيق ذلك الحضور والمشاهدة؛ إذ قد يحصل له التحقيق من الأخبار، والنَّظر في قرائن الأحوال. انتهى (?).

(قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("فَتُبْرِئُكُمْ) يَحْتَمل أن يكون مخفّفًا، من الإبراء، أو مشدّدًا، من التبرئة (يَهُودُ) مرفوع على الفاعلية، وهو غير منصرف؛ لأنه علم على القبيلة والطائفة، ففيه العلميّة والتأنيث (بِخَمْسِينَ يَمِينًا") قال النوويّ - رحمه الله -: معنى فتبرئكم يهود. . . إلخ": تبرأ إليكم يهود بخمسين يمينًا، وقيل: معناه: يُخلّصونكم من اليمين بأن يحلفوا، فإذا حَلَفوا انتهت الخصومة، ولم يثبت عليهم شيء، وخلصتم أنتم من الأيمان، وفي هذا دليلٌ لصحّة يمين الكافر والفاسق. انتهى (?).

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: معنى "تبرئكم يهود"؛ أي: يبرؤون إليكم مما طالبتموهم به، فتبرؤون أنتم منهم؛ إذ ينقطع طلبكم عنهم شرعًا.

قال: وفيه دليل على أن الأيمان المردودة لا تكون أقل من خمسين يمينًا من خمسين رجلًا إذا كان المدَّعَى عليهم خمسين، فإن كانوا أقل من ذلك؛ حلفوا خمسين يمينًا، ورُدَّت عليهم بحسب عددهم، وهل لهم أن يستعينوا بمن يحلف معهم من أوليائهم أم لا؟ قولان. فمشهور مذهب مالك: لهم الاستعانة. وعليه: فلا يحلف فيها أقل من اثنين. ولا يحلفُ المدَّعى عليه معهم إلا أن لا يجد من يحلفُ معه، فيحلفُ هو خمسين يمينًا. ورَوَى مُطَرِّف عن مالك: أنه لا يحلفُ مع المدَّعى عليه أحدٌ، ويحلفُ هم أنفسهم كانوا واحدًا أو أكثر خمسين يمينًا يبرئون بها أنفسهم. وهو قول الشّافعيّ، وهو الصحيح؛ لأن من لم يُدَّع عليه لم يكن له سبب يتوجَّه عليه به يمين، ثم مقصود هذه الأيمان: البراءة من الدَّعوى، ومن لم يُدَّع عليه بريء، ولأن أيمانهم على أن وليَّهم لم يُقتل شهادةٌ على نفي، وهي باطل. وأيضًا فقد قال الله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 15]. انتهى (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015