قال: وقال أحمد بن حنبل في هذا كله كقول الشافعيّ سواء.

قال: وذَكَرَ عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرني سليمان بن موسى، قال: سمعت مكحولًا يقول: "أَعتقت امرأة من الأنصار عبيدًا لها ستةً، لم يكن لها مال غيرهم، فلما بلغ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - غَضِبَ، وقال في ذلك قولًا شديدًا، ثم دعا بستة قِداح، فأقرع بينهم، فأَعتق اثنين".

قال سليمان بن موسى: كنت أُراجع مكحولًا، فأقول: إن كان ثَمَنُ عَبْدٍ ألف دينار أصابته القرعة ذهب المال، فقال: قِفْ عند أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال ابن جريج: قلت لسليمان: الأمر يستقيم على ما قال مكحول، قال: كيف؟ قلت: يقيمون قيمةً، فإن زاد اللذان أُعتقا على الثلث أُخذ منهما الثلث، وإن نقصا عَتَقَ ما بقي أيضًا بالقرعة، فإن فَضَل عليه أُخذ منهم، قال: ثم بلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقامهم.

قال أبو عمر: قد رُوي في حديث ابن سيرين، عن عمران بن حصين، أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - جزّأهم ثلاثة أجزاء، وهذا يدُلّ على أنه أقامهم، وعدّلهم بالقيمة، ولا يمكن غير ذلك في إخراج الثلث.

قال: وهذا كله قول مالك، والشافعيّ، وأحمد بن حنبل، ومن ذكرنا معهم.

وقال أبو حنيفة - فيمن أَعتق عبيدًا له في مرضه، ولا مال له غيرهم -: عَتَقَ من كل واحد منهم ثلثه، وسعوا في الباقي، وهو قول الحسن بن حيّ، وقال أبو حنيفة: حُكْم كل واحد منهم ما دام يسعى حُكْم المكاتب، وقال أبو يوسف ومحمد: هم أحرار، وثُلثا قيمتهم دَيْن عليهم، يسعون في ذلك، حتى يؤدوه إلى الورثة.

قال أبو عمر: رَدّ الكوفيون السُّنَّة المأثورة في هذا الباب، إما بأن لم تبلغهم، أو بأن لم تصح عندهم، ومن أصل أبي حنيفة، وأصحابه عرض أخبار الآحاد على الأصول المجتمع عليها، أو المشهورة المنتشرة.

قال: والحجة قائمة على من ذهب مذهبهم بالحديث الصحيح الجامع في هذا الباب، وليس الجهل بالسُّنَّة، ولا الجهل بصحتها علّةً يصح لعاقل الاحتجاج بها، وقد أنكرها قبلهم شيخهم حماد بن أبي سليمان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015