ورَوَى مؤمل بن إسماعيل، عن حماد بن زيد، عن محمد بن ذكوان أنه سمع حماد بن أبي سليمان، وذكر الحديث الذي جاء في القرعة بين الأعبد الستة الذين أعتقهم سيدهم في مرضه الذي مات فيه، قال: هذا قول الشيخ - يعني: إبليس - فقال محمد بن ذكوان له: وُضِع القلم عن المجنون حتى يفيق، فقال له حماد: ما دعاك إلى هذا؟ فقال له محمد بن ذكوان: وأنت ما دعاك إلى هذا؟ قال: وكان حماد ربما صُرِع في بعض الأوقات.
قال أبو عمر: بنى الكوفيون مذهبهم على أن العبيد المعتقين في كلمة واحدة في مرض الموت، قد استَحَقَّ كل واحد منهم العتق، لو كان لسيدهم مال يَخرُجون من ثلثه، فإن لم يكن له مال، لم يكن واحد منهم أحقّ بالعتق من غيره، وكذلك عَتَقَ من كل واحد ثلثه، وسعى في ثلثي قيمته للورثة؛ لقولهم بالسعاية في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في معسر أعتق حصته من عبد بينه وبين آخر، على ما قدّمنا ذِكْره.
قال: وهذا عندنا لا يجوز أن تُرَدَّ سُنَّة بمعنى ما في أخرى، إذا أمكن استعمال كل واحد منهما بوجهٍ مَا، وبالله التوفيق والصواب، لا شريك له. انتهى كلام ابن عبد البرّ - رحمه الله - (?).
قال الجامع عفا الله عنه: لقد أجاد الإمام أبو عمر بن عبد البرّ - رحمه الله - في ردّه على الكوفيين حيث ردُّوا السُّنَّة الصحيحة الثابتة برأيهم، وذلك لأن الواجب على العاقل أن يقبلها إذا صحّت لديه، ولا يعارضها برأيه.
ويا للعجب كم ردّ هؤلاء من الأحاديث الصحيحة، مما في "الصحيحين"، وغيرهما بدعوى أنها أخبار آحاد، عارضت القياس؟ .
فلو رأيت ما كتبه بعضهم في الدفاع عن الحنفيّة في هذه المسألة، كما فعل صاحب "تكملة فتح الملهم"، ومن أخذ منهم، لرأيت تعصّبًا بغيضًا، وتحاملًا مريضًا، قاتل الله التعصّب، وكيف تردّ أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصحيحة، ويُترك ظواهر ما دلّت عليه؟ وهي التي أوجب الله تعالى قبولها،