في الردّ على أبي حنيفة، وقد قال بقول أبي حنيفة: الشعبيّ، والنخعيّ وشُريح، والحسن، وحُكي أيضًا عن ابن المسيِّب. انتهى (?)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في الرجل يُعتِق في مرض موته عبيدًا له، ولا مال له غيرهم:
قال أبو عمر بن عبد البرّ - رحمه الله -: اختلف العلماء في ذلك، فقال مالك، والشافعيّ، وأصحابهما بهذا الأثر الصحيح، وذهبوا إليه، وبه قال أحمد، وإسحاق، وداود، والطبريّ، وجماعة من أهل الرأي والحديث.
قال: ولم يختلف مالك، وأصحابه في الذي يوصي بعتق عبيده في مرضه، ولا مال له غيرهم أنه يُقرَع بينهم، فيُعْتَق ثلثهم بالسهم، وكذلك لم يَختلف الأكثر منهم أن هذا حكم الذي أعتق عبيده في مرضه عتقًا بَتْلًا، ولا مال له غيرهم، وقال أشهب، وأصبغ: إنما القرعة في الوصية، وأما البتل فهم كالمدبَّرين.
قال أبو عمر: قول أشهب، وأصبغ خلاف السُّنَّة المذكورة في صدر هذا الباب، وخلاف أهل الحجاز، وأهل العراق، ولم تَرِد السنّةُ إلا فيمن أَعتَق في مرضه ستة أعبد له عتقًا بَتْلًا، ولا مال له غيرهم، لا فيمن أوصى بعتقهم، فَحَكَم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيهم بحكم الوصايا، فأَرَقَّ ثلثيهم، وأَعتق ثلثهم، فكيف يجوز لأحد أن يقول بالحديث في الوصية دون العتق البتلّ، فيخالفهم نصه؟
وقال الشافعيّ: وإذا أَعتق الرجل في مرضه عبيدًا له عِتْقَ بَتَاتٍ انْتُظِر بهم، فإن صحّ عَتَقُوا من رأس ماله، وإن مات، ولا مال له غيرهم أُقرِع بينهم، وأُعتق ثلثهم، قال الشافعيّ: والحجة في أن العتق البتات في المرض وصية: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقرع بين ستة مملوكين، أعتقهم الرجل في مرضه، وأنزل عتقهم وصيةً، فأَعتَق ثلثهم، قال الشافعيّ: ولو أعتق في مرضه عبدًا له عِتْقَ بَتَاتٍ، وله مدبَّرون وعبيد أوصى بعتقهم بعد موته، بُدئ بالذين بَتَّ عِتْقهم في مرضه؛ لأنهم يُعتقون عليه إن صَحَّ، وليس له الرجوع فيهم بحال.