سليمان بن بلال عند البخاريّ: "فاعتَكَفَ ليلةً"، فدلّ على أنه لم يزد على نذره شيئًا، وأن الاعتكاف لا صوم فيه، وأنه لا يُشترط له حدٌّ معيّن. انتهى ما في "الفتح"، وهو بحث نفيسٌ، والله تعالى أعلم.
وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "أن أعتكف ليلةً" يَحتجّ به من يُجيز الاعتكاف بالليل، وبغير صوم، ولا حجة له فيه؛ لأنه قد قال في الرواية الأخرى: "أنه نذر أن يعتكف يومًا", والقصّة واحدة، فدلّ مجموع الراويتين على أنه نذر يومًا وليلةً، غير أنه أفرد أحدهما بالذكر لدلالته على الآخر من حيث إنهما تلازما في الفعل، ولهذا قال مالكٌ: إن أقلّ الاعتكاف يومٌ وليلة، فلو نذر أحدهما لزمه تكميله بالآخر، ولو سلّمنا أنه لم يجئ لليوم ذكرٌ لَمَا كان في تخصيص الليلة بالذكر حجة؛ لإمكان حمل ذلك الاعتكاف على المجاورة؛ فإنها تُسمّى اعتكافًا لغةً، وهي تصحّ بالليل والنهار، وبصوم، وبغير صوم. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله عنه: قد علمت الجواب عن ما قاله القرطبيّ مما سبق عن "الفتح"، وخلاصته أن الأمر بالصوم لم يثبت، وقد وقع في رواية سليمان بن بلال عند البخاريّ: "فاعتَكَفَ ليلةً"، فالحقّ أن الاعتكاف يجوز بلا صوم، وتقدّم ذكر اختلاف العلماء، وأدلتهم، وترجيح الراجح من ذلك في "كتاب الاعتكاف"، فراجعه تستفد علمًا جمًّا، والله تعالى وليّ التوفيق.
(فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) زاد عمرو بن دينار في رواياته: "عند الكعبة" (قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- ("فَأوْفِ) بقطع الهمزة، من أوفى إيفاءً رباعيًّا، يقال: أوفى فلانًا حقَّه: أعطاه وافيًا، كوفّاه، ووافاه، قاله المجد رحمه الله (?).
وقال الفيّوميّ رحمه الله: وَفَيْتُ بالعهد، والوعد، أَفِي به وَفَاءً، والفاعل: وَفِيٌّ، والجمع: أَوْفِيَاءُ، مثل صَدِيق وأصدقاء، وأَوْفَيْتُ به إِيْفَاءً، وقد جمعهما الشاعر، فقال [من البسيط]:
أَمَّا ابْنُ طَوْقٍ فَقَدْ أَوْفَى بِذِمَّتِهِ ... كَمَا وَفَى بِقِلاصِ النَّجْمِ حَادِيهَا
وقال أبو زيد: أَوْفَى نذره: أحسن الإيفاء، فجعل الرباعيّ يتعدى بنفسه،