التفويض إلى الله تعالى بقلبه، فأُدِّب بأن تأخر الوحي عنه؛ حتى رموه بالتكذيب لأجلها، ثم إن الله تعالى علَّمه وأدَّبه بقوله: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} الآية [الكهف: 23 - 24]، فكان بعد ذلك يستعمل هذه الكلمة في الواجب، وهذا لعلوِّ مناصب الأنبياء عليهم السلام وكمال معرفتهم بالله تعالى، يناقَشون، ويعاتَبون على ما لا يعاتَب عليه غيرهم، كما قد قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في حق لوط عليه السلام: "يرحم الله لوطًا لقد كان يأوي إلى ركن شديد"، فعَتَب عليه نُطْقَه بكلمة يسوغ لغيره أن ينطق بها. انتهى (?).

وقوله: (فَلَمْ يَقُلْ، وَنَسِيَ)؛ أي: لم ينطق بلفظ إن شاء الله بلسانه ذُهولًا ونسيانًا، أنساه الله تعالى إياها، لينفُذ قدر الله تعالى الذي سبق به علمه، من جَعْل ذلك سببًا لعدم وقوع ما تمنّاه وقصده سليمان عليه السلام، قاله القرطبيّ رحمه الله (?). وليس المراد أنه غفل عن التفويض إلى الله بقلبه، والتحقيق أن اعتقاد التفويض مستمرّ له، لكن المراد بقوله: "فنسي" أنه نسي أن يقصد الاستثناء الذي يرفع حكم اليمين، ففيه تعقّب على من استَدَلَّ به لاشتراط النطق في الاستثناء. انتهى.

وقوله أيضًا: (وَنَسِيَ) قال النوويّ: ضبطه بعض الأئمة بضمّ النون، وتشديد السين، وهو ظاهر حسن. انتهى.

وقوله: (وَكَانَ دَرَكًا لَهُ فِي حَاجَتِهِ) بفتح الراء: اسم من الإدراك؛ أي: لحاقًا، قال لله تعالى: {لَا تَخَافُ دَرَكًا} [طه: 77].

والحديث متّفقٌ عليه، وقد مضى تمام شرحه، وبيان مسائله في الحديث الماضي، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

وبالسند المتّصل إلى المؤلّف رحمه الله أوّل الكتاب قال:

[4279] ( ... ) - (وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزَّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- مِثْلَهُ، أَوْ نَحْوَهُ).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015