شرح الحديث:
(عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ) -رضي الله عنه- (عَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ") قال النوويّ رحمه الله: اختَلَف العلماء في المراد به، فحمله جمهور أصحابنا على نَذْر اللَّجَاج، وهو أن يقول إنسان يريد الامتناع من كلام زيد مثلًا: إن كلمت زيدًا مثلًا فللَّه عليّ حجةٌ، أو غيرها، فيكلمه، فهو بالخيار بين كفارة يمين، وبين ما التزمه، هذا هو الصحيح في مذهبنا، وحمله مالك، وكثيرون، أو الأكثرون على النذر المطلق، كقوله: عليَّ نَذْرٌ، وحمله أحمد، وبعض أصحابنا على نذر المعصية، كمن نذر أن يشرب الخمر، وحمله جماعة من فقهاء أصحاب الحديث على جميع أنواع النذر، وقالوا: هو مُخَيَّر في جميع النذورات بين الوفاء بما التزم، وبين كفارة يمين، والله أعلم. انتهى (?).
وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "كفارة النَّذر كفارة اليمين"؛ يعني به: النذر الذي لم يسمَّ مخرجه بدليلين:
[أحدهما]: أن هذا الحديث قد رواه أبو داود من حديث ابن عبَّاس -رضي الله عنهما- مرفوعًا: "من نذر نذرًا لم يسمه فكفارته كفارة يمين"، فقيَّد في هذا الحديث ما أطلقه في حديث عقبة.
[وثانيهما]: أنَّه -صلى الله عليه وسلم- أمر أبا إسرائيل بإتمام الصوم الذي نذره، وقال: "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعص الله فلا يعصه"، ولا يتميَّزُ آحاد النوعين إلَّا بالتعيين والتسمية، والمفهوم من الأمر بالوفاء بالنذر: أن يفعل عين ما التزمه، وأما ما لم يُعيّن لفظًا ولا نية: فالأصل عدم لزومه، وما ذكرناه هو مذهب مالك، وأصحابه، وكثير من أهل العلم، وقد ذهبت طائفة من فقهاء المحدثين وأبو ثور: إلى أن كفارة اليمين تجري في جميع أبواب النذر تمسُّكًا بإطلاق الحديث الأول، والحجَّة عليهم ما ذكرناه. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (?).
قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن ما ذهب إليه جماعة فقهاء أصحاب الحديث من حمله على جميع أنواع النذور هو الأرجح؛ لأن حمله على بعض تلك الأنواع التي حملوها عليه يحتاج إلى دليل.