سيُتوفّى في مرضه هذا، وإنما كان يعتقد أنه يبرأ، فيعيش حتى يُفني المنافقين، ويَظهر على فارس والروم، حتى يكون آخر من في عهده وفاةً، ثم كان يعتقد في جانب آخر أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يكن ليترك شيئًا مما أُمر بتبليغه إلا بلّغه إلى الأمة، ولئن كان شيء يريد أن يوصي به لأمكن أن يوصي به في وقت آخر بعد برئه، أو خفّة مرضه، فلا حاجة إلى هذا التعجيل في مثل هذه الشدّة التي يخاف فيها التعب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومن أجل هذا قال في حديث الباب: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله.
وكم أبدى عمر -رضي الله عنه- أمام النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من آراء وافقه عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكان هذا القول أيضًا رأيًا رآه في ذلك الوقت، فأبداه، ولو كان خطأ لمنعه النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وما أقرّه عليه، ولكنه -صلى الله عليه وسلم- لم ينكره عليه، ولا منعه، فظهر أنه لم يكن عنادًا، ولا معصيةً -والعياذ بالله العظيم-.
ثم لو فرعنا أن ذلك الرأي كان خطأ، فإنما كان ذلك باجتهاد، ولم ينفرد به عمر -رضي الله عنه-، بل شاركه فيه جميع من كان في البيت؛ لأنه لم يأت أحد بالصحيفة، ولا بالدواة، ولم يكن عمر -رضي الله عنه- ليُمسك بيد أحد يأتي بهما، وإنما كان يرى رأيًا، فتكلّم به، فلمّا لم يتقدّم أحد بذلك تبيّن أن ذلك الأمر لم يكن للوجوب عند سائر من كان في البيت، وإلا لامتثله من يزعمه للوجوب رغم رأي الآخرين.
وما أحسن ما قاله شيخ الإسلام ابن تيميّة -رحمه الله- في "منهاج السُّنَّة" (3/ 136)، وهو يتحدّث عن طعن الروافض في عمر -رضي الله عنه- من أجل حديث الباب، يقول:
"ولو أن عمر -رضي الله عنه- اشتبه عليه أمر، ثم تبيّن له، أو شَكّ في بعض الأمور، فليس هو أعظم ممن يُفتي، ويقضي بأمور، ويكون النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قد حكم بخلافها مجتهدًا في ذلك، ولا يكون قد عَلِمَ حكم النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فإن الشكّ في الحقّ أخفّ من الجزم بنقيضه، وكلّ هذا باجتهاد سائغ، كان غايته أن يكون من الخطأ الذي رَفع الله المؤاخذة به، كما قضى عليّ -رضي الله عنه- في الحامل المتوفَّى عنها زوجها أنها تعتدّ أبعد الأجلين، مع ما ثبت في الصحاح عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه لَمّا قيل له: إن أبا السنابل بن بَعْكَك أفتى بذلك سُبيعة الأسلميّة، فقال