قال الله تعالى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ} [القصص: 73] فسمى الليل رحمة، ولم يلزم من ذلك أن يكون النهار عذابًا، وهو ظاهر لا شك فيه.
قال الجامع عفا الله عنه: تعب الخطابيّ بهذا التأويل الذي ذكره عجيب، فإن حديث: "اختلاف أمتي رحمة"، حديث لا أصل له، بل هو موضوع، فلا داعي إلى التكلّف بالتأويل، وقد حقّق الكلام فيه الشيخ الألبانيّ -رحمه الله- في كتبه، فراجعه تستفد (?).
وقال المازريّ -رحمه الله-: إن قيل: كيف جاز للصحابة الاختلاف في هذا الكتاب، مع قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ائتوني أكتب"، وكيف عصوه في أمره؟ .
فالجواب: أنه لا خلاف أن الأوامر تقارنها قرائن تنقلها من الندب إلى الوجوب عند من قال: أصلها للندب، ومن الوجوب إلى الندب عند من قال: أصلها للوجوب، وتنقل القرائن أيضًا صيغة افْعَلْ إلى الإباحة وإلى التخيير، وإلى غير ذلك من ضروب المعاني، فلعله ظهر منه -صلى الله عليه وسلم- من القرائن ما دلّ على أنه لم يوجب عليهم، بل جعله إلى اختيارهم، فاختَلَف اختيارهم بحسب اجتهادهم، وهو دليل على رجوعهم إلى الاجتهاد في الشرعيات، فأدَّى عمر -رضي الله عنه- اجتهاده إلى الامتناع من هذا، ولعله اعتقد أن ذلك صدر منه -صلى الله عليه وسلم- من غير قصد جازم، وهو المراد بقولهم: "أهَجَرَ"، وبقول عمر -رضي الله عنه-: "غَلَبَ عليه الوجع"، وما قارنه من القرائن الدالة على ذلك، على نحو ما يَعهدونه من أصوله -صلى الله عليه وسلم- في تبليغ الشريعة، وأنه يجري مجرى غيره من طرق التبليغ المعتادة منه -صلى الله عليه وسلم-، فظهر ذلك لعمر دون غيره، فخالفوه، ولعل عمر خاف أن المنافقين قد يتطرقون إلى القدح فيما اشتَهَر من قواعد الإسلام، وبلَّغه -صلى الله عليه وسلم- الناسَ بكتاب يُكتب في خلوة وآحاد، ويضيفون إليه شيئًا ليشبّهوا به على الذين في قلوبهم مرض، ولهذا قال: عندكم القرآن حسبنا كتاب الله. انتهى كلام المازريّ -رحمه الله- (?)، وهو تحقيق نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.