الغلط على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو ظَنّ به غير ذلك، مما لا يليق به بحال، لكنه لَمّا رأى ما غلب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الوجع، وقرب الوفاة، مع ما اعتراه من الكرب، خاف أن يكون ذلك القول مما يقوله المريض، مما لا عزيمة له فيه، فيجد المنافقون بذلك سبيلًا إلى الكلام في الدين، وقد كان أصحابه -صلى الله عليه وسلم- يراجعونه في بعض الأمور قبل أن يجزم فيها بتحتيم، كما راجعوه يوم الحديبية في التحلّل، وفي كتاب الصلح بينه وبين قريش، فأما إذا أَمَر بالشيء أمر عزيمة، فلا يراجعه فيه أحد منهم.

قال: وأكثر العلماء على أنه يجوز عليه الخطأ فيما لم يُنزل عليه، وقد أجمعوا كلُّهم على أنه لا يُقَرّ عليه، قال: ومعلوم أنه -صلى الله عليه وسلم- وإن كان الله تعالى قد رفع درجته فوق الخلق كلهم، فلم يُنَزِّهه عن سمات الحدث، والعوارض البشرية، وقد سَهَى في الصلاة، فلا يُنكَر أن يُظَنّ به حدوث بعض هذه الأمور في مرضه، فيتوقف في مثل هذا الحال حتى تتبين حقيقته، فلهذه المعاني وشِبْهِها راجعه عمر -رضي الله عنه-.

قال الخطابيّ: وقد رُوي عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "اختلاف أمتي رحمة" (?)، فاستصوب عمر ما قاله، قال: وقد اعتَرَض على حديث اختلاف أمتي رحمة رجلان: أحدهما مغموصٌ عليه في دينه، وهو عمرو بن بحر الجاحظ، والآخر معروف بالسخف والخلاعة، وهو إسحاق بن ابراهيم الموصليّ، فإنه لمّا وضع كتابه في الأغاني، وأمكن في تلك الأباطيل لم يرض بما تزوّد من إثمها حتى صدَّر كتابه بذمّ أصحاب الحديث، وزعم أنهم يروون ما لا يدرون، وقال هو والجاحظ: لو كان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق عذابًا، ثم زعم أنه إنما كان اختلاف الأمة رحمة في زمن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- خاصة، فإذا اختلفوا سألوه فبيَّن لهم.

والجواب عن هذا الاعتراض الفاسد: أنه لا يلزم من كون الشيء رحمةً أن يكون ضده عذابًا، ولا يلتزم هذا ويذكره إلا جاهل، أو متجاهل، وقد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015