وقوله: (وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَمُوتَ بِالأَرْضِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا) الظاهر أن فاعل "يَكره" ضمير النبيّ -صلى الله عليه وسلم-؛ أي: كان -صلى الله عليه وسلم- يكره أن يموت سعد في مكة التي هاجر منها إلى المدينة، وهذا هو ظاهر سياق البخاريّ الآتي في التنبيه المذكور بعدُ.
ويَحْتَمل أن يكون الفاعل ضمير سعد -رضي الله عنه-، ولكن فيه التفات؛ لأن الظاهر أن يقول: وأنا أكره الموت ... إلخ، ويؤيّد هذا الوجه ما يأتي في رواية حميد بن عبد الرحمن، عن ثلاثة من ولد سعد بلفظ: "فقال: قد خشيتُ أن أموت بالأرض التي هاجرت منها، كما مات سعد ابن خولة".
والحاصل أن كُلًّا من النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وسعد -رضي الله عنه- يكره الموت في الأرض التي هاجر منها، والله تعالى أعلم.
[تنبيه]: رواية سعد بن إبراهيم، عن عامر بن سعد هذه ساقها البخاريّ في "صحيحه"، فقال:
(2591) - حدّثنا أبو نُعَيْمٍ، حدثنا سُفْيَانُ، عن سَعْدِ بن إبراهيم، عن عَامِرِ بن سَعْدٍ، عن سَعْدِ بن أبي وَقَّاصٍ -رضي الله عنه- قال: جاء النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يَعُودُنِي، وأنا بِمَكَّةَ، وهو يَكْرَهُ أَنْ يَمُوتَ بِالْأَرْضِ التي هَاجَرَ منها، قال: "يَرْحَمُ الله ابن عَفْرَاءَ"، قلت: يا رَسُولَ اللهِ، أُوصِي بمَالِي كُلِّهِ؟ قال: "لَا"، قلت: فَالشَّطْرُ؟ قال: "لَا"، قلت: الثُّلُثُ؟ قال: "فَالثلُثُ، وَالثلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ من أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً، يَتَكَفَّفُونَ الناس في أَيْدِيهِمْ، وَإِنَّكَ مَهْمَا أَنْفَقْتَ من نَفَقَةٍ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ، حتى اللُّقْمَةُ التي تَرْفَعُهَا إلى فِي امْرَأَتِكَ، وَعَسَى الله أَنْ يَرْفَعَكَ، فَيَنْتَفِعَ بِكَ نَاسٌ، وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ"، ولم يَكُنْ له يَوْمَئِذٍ إلا ابْنَةٌ. انتهى (?)، والله تعالى أعلم.
وبالسند المتصل إلى المؤلّف رحمه الله أوّل الكتاب قال:
[4204] ( ... ) - (وَحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْب، حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَرِضْتُ، فَأَرْسَلْتُ إِلَى النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقُلْتُ: دَعْنِي أَقْسِمْ مَالِي حَيْثُ شِئْتُ، فَأَبى،