فإن فيه عند مسلم: "فقال له النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قولًا شديدًا"، وفُسِّر القول الشديد في رواية أخرى، بأنه قال: "لو علمتُ ذلك ما صليت عليه"، ولم يُنقل أنه راجع الورثة، فدلّ على منعه مطلقًا، وبقوله في حديث سعد بن أبي وقاص: "وكان بعد ذلك الثلثُ جائزًا"، فإن مفهومه أن الزائد على الثلث ليس بجائز، وبأنه -صلى الله عليه وسلم - منع سعدًا من الوصية بالشطر، ولم يستثن صورة الإجازة. انتهى (?).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد أجاد السبكيّ رحمه الله في هذه الاحتجاجات الواضحة التي تقوّي القول بأنه لا تصحّ الوصيّة للوارث، ولا بما زاد على الثلث مطلقًا، أجازه الورثة أم لا؟ .

والحاصل أن القول بعدم جواز الوصيّة للوارث، ولا بأكثر من الثلث لغيره، أجازها الورثة، أم لا؟ ، هو الحقّ؛ لهذه الأدلة الواضحة، وأما الاستثناء المذكور في رواية "إلا أن يجيز الورثة"، فإنه ضعيف، لا تقوم به الحجّة، بل قال بعضهم: إنه منكر (?).

وأما ما ذكره ابن قدامة من التعليل بأنه تصرّف صدر من أهله في محلّه، فصحّ، فإنه تعليل عقليٌّ في مقابلة النصّ، فلا يُلتفت إليه، ولقد سبق غير مرّة أن ذكرنا قول من قال، وأجاد في المقال:

إِذَا جَالَتْ خُيُولُ النَصِّ يَوْمًا ... تُجَارِي فِي مَيَادِينِ الْكِفَاحِ

غَدَتْ شُبَهُ الْقِيَاسِيِّينَ صَرْعَى ... تَطِيرُ رُؤُوسُهُنَّ مَعَ الرِّيَاحِ

[تنبيه]: حديث: "لا وصيّة لوارث"، رُوي عن جماعة من الصحابة -رضي الله عنهم-، منهم: عمرو بن خارجة، وأبو أمامة الباهليّ، وعبد الله بن عبّاس، وأنس بن مالك، وعبد الله بن عمرو، وجابر بن عبد الله، وعليّ بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر، والبراء بن عازب، وزيد بن أرقم -رضي الله عنهم-.

قال في "الفتح" عند قول البخاريّ: "باب لا وصيّة لوارث": هذه الترجمة لفظ حديث مرفوع؛ كأنه لم يثبت على شرط البخاريّ، فترجم به كعادته، واستغنى بما يُعطي حكمه، وقد أخرجه أبو داود، والترمذيّ، وغيرهما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015