وهو بحثٌ مفيدٌ جدًّا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم الوصية للوارث: قال العلّامة ابن قُدامة رحمه الله: إذا أوصى لوارثه بوصيّة، فلم يُجزها سائر الورثة، لم تصحّ، بغير خلاف بين العلماء، قال ابن المنذر، وابن عبد البرّ: أجمع أهل العلم على هذا، وجاءت الأخبار عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - بذلك، وإن أجازها الورثة جازت في قول الجمهور من العلماء، وقال بعضهم: الوصيّة باطلة، وإن أجازوها، وهو قول المزنيّ، وأهل الظاهر، وهو قول للشافعيّ، واحتجّوا بظاهر قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا وصيّة لوارث".

وظاهر مذهب أحمد، والشافعيّ أن الوصيّة صحيحة في نفسها، وهو قول جمهور العلماء؛ لأنه تصرّف صدر من أهله في محلّه، فصحّ، كما لو أوصى لأجنبيّ، والخبر قد رُوي فيه: "إلا أن يُجيز الورثة" (?)، والاستثناء من النفي إثبات، فيكون دليلًا على صحّة الوصيّة عند الإجازة. ولو خلا من الاستثناء كان معناه لا وصيّة نافذة، أو لازمة، أو ما أشبه ذلك، أو يقدّر فيه: لا وصيّة لوارث عند عدم الإجازة من غيره من الورثة.

وفائدة الخلاف أن الوصية إذا كانت صحيحة، فإجازة الورثة تنفيذٌ، وإجازة محضةٌ، يكفي فيها قول الوارث: أجزت، أو أمضيتُ، أو نفّذت، فإذا قال ذلك لزمت الوصيّة، وإن كانت باطلة، كانت الإجازة هبة مبتدأةً، تفتقر إلى شروط الهبة من اللفظ، والقبول، والقبض؛ كالهبة المبتدأة، ولو رجع المجيز قبل القبض فيما يُعتبر فيه القبض صحّ رجوعه. انتهى كلام ابن قُدامة بتصرف يسير (?).

وقال في "الفتح": واستُدلّ بحديث: "لا وصية لوارث" بأنه لا تصحّ الوصية للوارث أصلًا، وعلى تقدير نفاذها من الثلث لا تصحّ الوصية له ولا لغيره بما زاد على الثلث، ولو أجازت الورثة، وبه قال المزنيّ، وداود، وقوّاه السبكيّ، واحتَجّ له بحديث عمران بن حصين -رضي الله عنهما- في الذي أعتق ستة أعبد،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015