وعن سعيد بن المسيِّب، والحسن، وجابر بن زيد: للذي أُوصي له ثلث الثلث، والباقي يُرَدّ إلى قرابة الموصي؛ لأنه أَبُو أوصى بماله كله لجاز منه الثلث، والباقي ردّ على الورثة، وأقاربُهُ الذين لا يرثونه في استحقاق الوصية؛ كالورثة في استحقاق المال كله.

واحتجّ الأولون بما أخرجه مسلم في "صحيحه" عن عمران بن حصين -رضي الله عنهما-: "أن رجلًا أعتق في مرضه ستة أعبد، لم يكن له مال غيرهم، فبلغ ذلك النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فدعاهم، فجزأهم ثلاثة أجزاء، ثم أقرع بينهم، فأعتق اثنين، وأَرَقّ أربعةً، وقال له قولًا شديدًا"، فأجاز العتق في ثلثه لغير قرابته، ولأنها عطية، فجازت لغير قرابته؛ كالعطية في الحياة، قاله ابن رحمه الله (?)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب.

(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم في حكم الوصيّة بأكثر من الثلث إن أجازه الورثة:

قال العلامة ابن قُدامة رحمه الله: ومن أوصى لغير وارث بأكثر من الثلث، فأجاز ذلك الورثة بعد موت الموصي جاز، وإن لم يجيزوا رُدّ إلى الثلث:

قال: وجملة ذلك أن الوصية لغير الوارث تلزم في الثلث من غير إجازة، وما زاد على الثلث يُوقف على إجازتهم، فإن أجازوه جاز، وإن ردّوه بَطَلَ، في قول جميع العلماء، والأصل في ذلك قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لسعد حين قال: أوصي بمالي كله؟ قال: "لا"، قال: فبالثلثين؟ قال: "لا"، قال: فبالنصف؟ قال: "لا"، قال: فبالثلث؟ قال: "الثلثُ، والثلث كثير"، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة في أعمالكم" (?) يدلّ على أنه لا شيء له في الزائد عليه، وحديث عمران بن حصين -رضي الله عنهما- المذكور في المملوكِين الذين أعتقهم المريض يدلّ أيضًا على أنه لا يصحّ تصرفه فيما عدا الثلث إذا لم يُجِز الورثة، ويجوز بإجازتهم؛ لأن الحقّ لهم. انتهى كلام ابن قدامة رحمه الله (?)،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015