وقال إسحاق: السُّنَّة الربع، إلا أن يكون رجلًا يَعرِف في ماله حرمة شبهات أو غيرها، فله استيعاب الثلث.
قال: ولنا أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- أوصى بالخمس، وقال: رضيت بما رضي الله به لنفسه- يعني قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41]-، وروي أن أبا بكر وعليًّا -رضي الله عنهما- أوصيا بالخمس، وعن عليّ -رضي الله عنه- أنه قال: لَأن أوصي بالخمس أحب إلي من الربع.
وعن إبراهيم قال: كانوا يقولون: صاحب الربع أفضل من صاحب الثلث، وصاحب الخمس أفضل من صاحب الربع.
وعن الشعبيّ قال: كان الخمس أحبّ إليهم من الثلث، فهو منتهى الجامح.
وعن العلاء بن زياد قال: أوصى أبي أن أسأل العلماء: أي الوصية أعدل؟ فما تتابعوا عليه فهو وصيته، فتتابعوا على الخمس. انتهى كلام ابن قدامة رحمه الله (?)، وهو مفيدٌ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب.
(المسألة الخامسة): الأفضل للإنسان أن يجعل وصيته لأقاربه الذين لا يرثون، إذا كانوا فقراء، في قول عامة أهل العلم، قال ابن عبد البرّ: لا خلاف بين العلماء علمتُ في ذلك، إذا كانوا ذوي حاجة؛ وذلك لأن الله تعالى كتب الوصية للوالدين والأقربين، فخرج منه الوارثون بقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "لا وصية لوارث"، وبقي سائر الأقارب لهم وأقلّ ذلك الاستحباب، وقد قال الله تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الإسراء: 26]، وقال تعالى: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى} [البقرة: 177]، فبدأ بهم؛ ولأن الصدقة عليهم في الحياة أفضل، فكذلك بعد الموت، فإن أوصى لغيرهم، وتركهم صحت وصيته، في قول أكثر أهل العلم، منهم: سالم، وسليمان بن يسار، وعطاء، ومالك، والثوريّ، والأوزاعيّ، والشافعيّ، وإسحاق، وأصحاب الرأي.
وحُكِي عن طاوس، والضحاك، وعبد الملك بن يعلى أنهم قالوا: يُنْزَع عنهم، ويردّ إلى قرابته.