قال ابن دقيق العيد رحمه الله: فيه أن الثواب في الإنفاق مشروطٌ بصحّة النيّة، وابتغاء وجه الله تعالى، وهذا عَسِرٌ إذا عارضه مقتضى الشهوة، فإن ذلك لا يُحَصِّل الغرض من الثواب حتى يبتغي به وجه الله تعالى، وسبق تخليص هذا المقصود مما يشوبه، قال: وقد يكون فيه دليلٌ على أن الواجبات إذا أدّيت على قصد أداء الواجب ابتغاء وجه الله أُثيب عليها، فإن قوله: "حتى ما تجعل في فِي امرأتك" لا تخصيص له بغير الواجب، ولفظة "حتّى" هنا تقتضي المبالغة في تحصيل هذا الأجر بالنسبة إلى المعنى، كما يقال: جاء الحُجّاج حتى المشاة. انتهى (?).
(قَالَ) سعد -رضي الله عنه- (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أُخَلَّفُ)، وفي نسخة: "أتخلّف"، والكلام على تقدير الاستفهام، وقد وقع التصريح به في نسخة مختصر القرطبيّ، ولفظه: "أَأُخلَّف ... إلخ"، و"أُخلَّف" بتشديد اللام، مبنيًّا للمفعول (بَعْدَ أَصْحَابِي؟ )؛ أي: أَأَبْقَى في مكة بعد رجوع أصحابي، وهم النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وأصحابه -رضي الله عنهم- إلى المدينة؟ ، قال النوويّ: قال القاضي عياض: معناه: أُخَلَّف بمكة بعد أصحابي، قاله إما إشفاقًا من موته بمكة؛ لكونه هاجر منها، وتركها لله تعالى، فَخَشِيَ أن يَقْدَح ذلك في هجرته، أو في ثوابه عليها، أو خَشِيَ بقاءه بمكة بعد انصراف النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه إلى المدينة، وتخلّفه عنهم بسبب المرض، وكانوا يَكرهون الرجوع فيما تركوه لله تعالى، ولهذا جاء في رواية أخرى: "أُخَلَّف عن هجرتي؟ "، قال القاضي: قيل: كان حكم الهجرة باقيًا بعد الفتح؛ لهذا الحديث، وقيل: إنما كان ذلك لمن كان هاجر قبل الفتح، فأما من هاجر بعده فلا. انتهى (?).
وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "أَأُخلَّفُ بعد أصحابي؟ " هذا الاستفهام إنما صدر عن سعد مخافة أن يكون مُقامه بمكة بعد أصحابه إلى أن يموت بها قادحًا في هجرته، كما قد نصَّ عليه في الرواية الأخرى؛ إذ قال فيها: "لقد خشيتُ أن أموت بالأرض التي هاجرت منها"، فأجابه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بما يقتضي أن ذلك لا يكون، وأنه يطول عمره إلى أن ينتفع به قومٌ، ويستضرَّ به آخرون، وقد